علموا المدرسين كيفية خلق السحر والتأثير ———————————————— في هذه الأثناء، هناك مدرس لا يعمل على تطوير نفسه فهو راضِ بها كما هي، يدخل فصله يثرثر بطريقة مملة قديمة، يطلب واجبا منزليا، يخرج من فصله ولم يكن قد أحدث أي أثر في تلاميذه إلا مزيداً من العبء والملل!
في هذه الأثناء، هناك مدرس يعامل تلاميذه بأستاذية جوفاء ويظل يثرثر ويثرثر ظناً منه أنه علمهم ما لم يكونوا يعلمون، وهم في الأصل غير متقبلين له فضلاً عن معلوماته التي يلقونها في سلال القمامة التي يضعون فيها بقايا طعامهم!
في هذه الأثناء هناك مدرّسة طموحة تعمل على مقال من 60 صفحة معتمدة على نظرية تعليمية عتيقة طورها أستاذ تعليم قضى نحبه، متسائلة مع نفسها عن علاقة هذه المهمة التي انخرطت فيها مع ما تريد القيام به في حياتها، وهو أن تصبح مربية، وتغير حياة الناس، وتطلق شرارات ساحرة!
في هذه الأثناء هناك مدرس طموح في مؤسسة للدراسات العليا التعليمية يشاهد أستاذاً يثرثر دون توقف حول التفاعل والمشاركة بطريقة أبعد ما تكون عن ذلك، فهو يعلمهم ما لا يطبقه هو معهم!
في هذه الأثناء هناك مُدرِّسة حديثة العهد بالمهنة، جالسة في بيتها تقلب في خطط الدروس محاولة فهم المعايير، محاولة فهم كيفية تقييم عمل التلاميذ كما يجب، وفي نفس الوقت تقول لنفسها مرارا وتكرارا “لا تبتسمي حتى تصل نهاية الحصة الدراسية، وكوني عابسة دائماً مع التلاميذ حتى يجتهدوا!” لأن ذلك ما تم تلقينها إياه في برنامج تدريب المدرّسين!
في هذه الأثناء، هناك تلميذ يحاول اختلاق طريقة لإقناع والديه بأنه مريض جداً ولا يستطيع الذهاب إلى المدرسة غداً، وبالطبع أنت رأيت هذا التلميذ مراراً، هذا إن لم تكن أنت هو يوماً ما!
وفي هذه الأثناء، هناك طالب يجلس في المقعد الأخير يهز رأسه للمدرس ليس فهماً ولكن مللاً، ينظر في عقارب الساعة متمنياً لو يمر الوقت سريعاً حتى يزيل عنه عبء هذا الثرثار النمطي!
وعلى صعيد آخر، وفي هذه الأثناء هناك مربّون مدهشون يتشاركون ويتفاعلون مع طلابهم ويؤثرون فيهم، معلوماتهم ودروسهم تتم مشاركتها بشكل في غاية الروعة والتأثير لدرجة أن التلاميذ جالسون على حافة مقاعدهم مترقبين كل كلمة يقولها ليربطوها بالكلمة السابقة والتالية لها في سلسلة من الفهم والاستيعاب، مترقبين سقوط قطرة عرق من وجه هذا الشخص حتى يستطيعوا امتصاص كل تلك المعرفة!
في هذه الأثناء هناك كذلك شخص يشد انتباه جمهوره بالكامل و بشكل رائع، شخص ينسج سرداً قويا حول عالم لم يره أي ممن يستمعون له أو يتخيلوه قط ! ولكن إن أغلقوا أعينهم بما يكفي، يستطيعون تخيل ذلك العالم لأن سرد القصة مقنع لتلك الدرجة التي تجعل ما يقوله واقعاً يعيشونه!
في هذه الأثناء، هناك شخص يمكنه أن يقول لجمهور ما أن يرفعوا أيديهم إلى السماء وسيبقون كذلك إلى أن يقول “أنزلوها” نتيجة تأثرهم به وثقتهم فيه كمعلم ومربي.
وفي هذه الأثناء ستقولون أنتم “حسناً يا جوده، أنت تصف شخصاً يمر بتدريب قاسٍ وخاص ولكنك كذلك تصف هؤلاء المربين الكبار القدامى الذين لم يعودوا موجودين، إن كنت تفكر في عالم التعليم فإن هؤلاء الأشخاص قلما تجدهم وإن وجدتهم، سريعاً ما يصبحون روتينيين مملين وستجد بديلاً لهم وسنكون على ما يرام على كل حال!
الحقيقة أنه، من قمت بوصفهم كمدرسين خبراء، كخبراء في بناء السياق السردي، كخبراء في رواية القصص، كخبراء متميزون في التأثير وحشد ألباب الناس، هم أبعد ما يكونون عن فصول الدراسة!
من لديهم مهارات التدريس الحقيقية وإشراك الجمهور والتأثير فيهم لا يعرفون ما تعنيه شهادة مدرّس حتى، قد لا يحصلون حتى على الشهادات ليستطيعوا القيام بأي شيء يمكن تسميته تعليماً، وهذا أمر محزن وغريب بالنسبة لي! إنه محزن لأن الناس المعنيين بكونهم مدرسين حالياً، كانوا في قمة اللامبالاة بالعملية التعليمية، يريدون أن يصبحوا مدرّسين ناجحين، لكن ليست لديهم أي نماذج، ليس لديهم استعداد للتعلم ليستطيعوا أن يعلموا تلاميذهم ويؤثروا فيهم ويغيروا حياتهم، فهم لا يريدون تطوير أنفسهم إما خجلاً وإما كسلا وإما كبراً. سأعيد صياغة اقتباس لمارك توين حيث يقول:
” إن التدريس في غاية القوة لدرجة أنه يمكنه تحويل القيم الفاسدة إلى قيم صالحة، يمكنه تحويل الممارسات الشنيعة إلى ممارسات خيرة قوية، يمكنه أن يغيّر الرجال ويحوّلهم إلى ملائكة “.
الأشخاص الذين وصفتهم سابقاً لديهم الاستعداد المناسب للتدريس، ليس في أي جامعة أو كلية، ولكن فقط بحكم تواجدهم في نفس الفضاءات التي يتواجد فيها من يشركونهم ويتفاعلون معهم ويؤثرون فيهم!
انظر إلى ذلك الواعظ على المنبر سواء في مسجد أو كنيسة، عندما يضرب على منبره فجأة ليحصل على الانتباه، يخفض صوته لمستوى متدني حين يريد من الناس أن يفهموه وكأنه يهمس بسر دفين، إلى كلماته التي قد تكون سمعتها من غيره مرات ومرات ولم تتأثر وتتقلاها منه كأنك تسمعها لأول مرة مندهشا من نفسك لتأثرك بها برغم سماعك إياها من قبل، انظر إلى سائق التاكسي والحلاق الذي يقص شعرك يسرد عليك قصة لن تنساها أبداً، انظر إلى البائع المتجول الذي قد لا يكون يقرأ ولا يكتب ويعرض سلعته عليك بكل مهارة وتنظيم وسرعة بديهة قد لا تجدها في طالب قضى سنوات يدرس التسويق، وتلك هي المهارات التي نحتاجها لدى المدرّسين الذين يودون أن يطوروا أنفسهم ويُحدثوا فارقاً مع تلاميذهم.
إذن، لماذا يكون تعليم المدرسين ما هو نظري فقط ويخبرك بالمعايير ويخبرك بكل الأشياء التي لا علاقة لها بالمهارات الأساسية المؤثرة، ذلك السحر الذي تحتاجه لإشراك الجمهور، لإشراك التلميذ والتأثير فيهم؟ لذا فإنني أحاجج بأنه يجب أن نعيد صياغة طرق تدريب المدرّسين، أنه يمكننا التركيز على المعايير، لا مشكلة في ذلك، ويمكننا التركيز على النظريات، لا مشكلة أيضا في ذلك، لكن المعايير والنظريات مع انعدام سحر التدريس والتعلم لا معنى لهما!
عادة ما يقول الناس، “حسنا، السحر وقوة التأثير هو فقط سحر” يقصدون أنه موهبة فطرية، لكنني هنا لإخباركم بأن السحر يمكن أن يلقّن، السحر يمكن أن يلقّن، نعم السحر يمكن أن يلقّن! فكيف يمكننا تدريسه؟ ندرسه بالسماح للناس بالذهاب إلى تلك الفضاءات حيث يحدث السحر، إن كنت تريد أن تصبح مدرساً طموحاً مؤثراً يغير حياة الملايين، فعليك أن تخرج من حدود تلك المدرسة، من حدود ذلك الروتين، من حدود تلك النظريات والمعايير العتيقة، من حدود ذلك الكتاب المدرسي الذي علموك أن تدريسه يتم بهذه الطريقة المملة البغيضة، من حدود كونك “موظف” كمدرس، فسوف يكون ذلك هو المفتاح. وإن أمكننا تحويل تدريب المدرسين ليركز على تدريسهم كيفية خلق ذلك السحر والتأثير فإننا نستطيع في رمشة عين إحياء الفصول الدراسية من الموت، سيمكننا إعادة إشعال عقول التلاميذ وخيالهم، سيمكننا خلق جيل من التلاميذ يرى في المدرس قيمة تضاف له ومثلاً مؤثراً لا عبئا قديما ثقيلا عليه يتمنى التخلص منه عما قريب، سيمكننا تغيير التعليم.
وفي هذه الأثناء، هناك مدرس قرر أن يغير طريقته ويؤمن بطريقة السحر والتأثير وسيأتي إلى طلابه في الحصة القادمة أو المحاضرة القادمة بشخص جديد تماماً، وهناك شخص قرر أن يكون مدرساً وهو لم يكن كذلك ولم تكن تلك وظيفته الرسمية قط ولكنه آمن بأن لديه القدرة على تعلم السحر والتأثير وإضافة قيمة إلى طلابه الذين لم يقابلهم بعد.