أعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، والتعليم الفني، الأربعاء الماضي، تسليم مليون جهاز كمبيوتر لوحي تفاعلي “تابلت”، لطلاب الصف الأول الثانوي، ومعلمي ونظار المرحلة الثانوية، بدءً من العام الدراسي القادم، كما أوضح أن التكلفة ستتحملها الوزارة، وسيصبح الجهاز ملكاً للطالب بعد انتهاء دراسته.
وقال إن التابلت سيوفر للطالب مصادر متعددة للمعلومات؛ من خلال إتاحة تطبيقات ومواقع إلكترونية تعليمية، كبنك المعرفة المصري، الذي يعد أكبر مكتبة معرفية رقمية في العالم، تضم آلاف الكتب والدوريات العلمية، كما تحتوي على شروحات للمناهج الدراسية المصرية، كما أن الطالب سيجري امتحاناته، ويتم تصحيحها إلكترونياً خلال التابلت، بطريقة تضمن العدالة والشفافية.
وتعني أبعاد ودلالات، هذا القرار، بالإضافة إلى حزمة القرارات، التي تواترت إلينا، خلال العشرة شهور الماضية، أنها بمثابة تصديق صريح، على محاكاة، نظم التربية والتعليم الإسكندنافية، والتي تعتمد على فلسفة التعليم الرقمي، وقادته إلى هذا التصديق عدة دوافع، أهمها، أنه يطمح إلى تطور سريع ومفاجئ في مسار العملية التعليمية في مصر، وهنا تشير الحقائق، إلى أن هذه النظم المتطورة، جعلت دول مثل: فنلدنا، والنرويج، والسويد تتصدر دول العالم، في التصنيف العالمي لجودة التعليم.
ولكن من الضروري، معرفة أن دولة كفنلندا، على سبيل المثال، مر نظامها التعليمي، بمراحل للتطوير والإصلاح، وفقاً، لبحوث ودراسات نظرية وتطبيقية، رافقت هذه المراحل، واعتمدت بصورة أساسية على الواقع المعيش في فنلندا، ولم تلجأ إلى النسخ الحرفي، لتجارب دول سبقتها تعليمياً، واحتاجت مستويات التطوير، إلى مثابرة وجهد، بالإضافة إلى العامل الزمني؛ لأن التغيير من الصعب أن يحدث بشكل مفاجئ.
جاء، نظام التعليم المصري، في العصر الحديث، في مراتب متدنية في كل المؤشرات؛ ويرجع ذلك، إلى تلك القرارات الأسرع حسماً، والأكثر جراءة، والتي لم تأخذ نصيباً وافراً من الدراسة والمراجعة، والتي تصدر من تلك المكاتب الفاخرة التي يجلس فيها صناع القرار، وحتى يتيسر لنا، الفهم الدقيق لأسباب وأبعاد وتداعيات قرار “تابلت طارق شوقي”، يجب استدعاء الماضي، والإطلاع على تجارب دول تأثرت بنظم تعليمية أجنبية، وحاولت نسخها ونقلها إلى بلادها؛ وفي أثناء ذلك، سنتمكن أيضاً، من التنبؤ بسيناريوهات ونتائج، قبل أن نقفز إليها، أو تقفز إلينا؛ فالأمة التي لا تدرس التاريخ، يكون محكوماً عليها بإعادته؛ وبالتالي تستمد هذه الورقة مكانتها، من عرض وتحليل أربعة نماذج من الماضي، في نفس سياق تجربة تابلت الوزارة الجديد، قابلة للتكرار.
السيناريو الأول: تجربة التابلت في الكويت:
كان الدكتور بدر العيسى، وزير التربية، والتعليم العالي الكويتي الأسبق، قد وقع، عقد إيجار 80 ألف تابلت، بقيمة 26 مليون دينار كويتي، مع ثلاث شركات متخصصة، في الأجهزة الإلكترونية، وتم توزيعهم في بداية العام الدراسي 2015/2016، على 68 ألف طالب ثانوي، و12 ألف معلم، بهدف تطوير نظام الدراسة، وخلق مساحات واسعة من البحث والإطلاع، واستسقاء المعلومات، وفي أثناء ذلك، طلب التعاون، من قبل شبكة الاتصالات الكويتية، لتجديد شبكة الألياف الضوئية بالمدارس؛ ليتخطى مرحلة الانتقادات، التي طالته من الرأي العام الكويتي، حيال قرار التابلت؛ لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها، عدم وجود البنية التحتية بالمدارس الكويتية، اللازمة لتشغيل التابلت والاستفادة منه.
وعلى ما يبدو أن الرأي العام الكويتي، كان الأكثر وعياً؛ فبعد انقضاء العام الدراسي، وتعيين الدكتور محمد عبد اللطيف الفارس، خلفاً للدكتور بدر العيسى، نشرت صحيفة الأنباء الكويتية، في التاسع عشر من يوليو 2017، تقريراً عن العوامل التي أدت إلى فشل تجربة التابلت
ونستعرض أهمها، كما عبر عنها مسؤولون تربويون داخل المدارس الكويتية: 1- استخدام الطلبة للتابلت لا يتماشى مع ما هو مطلوب منهم داخل الفصل الدراسي. 2- خلو معظم المدارس من خدمة الإنترنت. 3- بيع بعض الطلبة أجهزتهم. 4- الدعاية الفقيرة وغير الجيدة للفكرة. 5- ضيق الوقت أمام الإدارات المدرسية، لتوعية الطلبة، وأولياء الأمور، والمعلمين. 6- البرمجيات التي استخدمت لم تكن بالصورة المطلوبة. 7- التأخير في توزيع نشرات الورش الخاصة بالصيانة. 8- أسعار قطع الغيار لا تناسب المستوى الاقتصادي للعديد من أسر الطلبة. 9- حساسية التابلت، وكثرة تعطله، وحاجته الدائمة إلى الشحن كهربائياً. 10- عدم توزيع الجهاز على جميع المعلمين والطلاب، والاكتفاء بعدد محدود لكل مدرسة.
ولفتت الصحيفة، انتباه قرائها، خلال تقريرها، إلى الأضرار الصحية التي ألحقها التابلت بأجساد الطلاب، ومنها: ضعف النظر، وانحناء العمود الفقري، وفقرات الظهر، كما نجم عن قضاء الطالب معظم وقته أمام شاشة التابلت، انسحابه من الحياة الاجتماعية، وغياب التفاعل بينه وبين زملائه ومعلميه؛ وترتيباً على ما سبق تفنيده، أوصى مستشاري الوزير الجديد، بضرورة إيقاف العمل بالتابلت، فأصدر الدكتور محمد الفارس، قراراً بعدم تجديد العقد مرة ثانية، على أن يكون هذا العام -2017/2018- هو العام الثالث والأخير لأجهزة التابلت في مدارس الكويت.
والجدير بالذكر، أن غالبية المدارس توقفت بالفعل عن استخدام التابلت، بشكل إجباري، بعد عامين من التخبط، وتفاقم الأخطاء والمشكلات، الناتجة عن الأسباب التي فندناها أعلاه، رغم دفع الوزارة إيجار العام الثالث مقدماً.
تطرح أزمة “تابلت الكويت” أمامنا، عدة تساؤلات، تقينا الإجابة عليهم، مواجهة الآثار والتبعات، التي أرهقت الكويتيين: هل تمتلك المدارس المصرية، بنية تحتية تؤهلها للاستفادة من التابلت؟، وإذا تعرض التابلت لسقطة على الأرض.. هل المستوى الاقتصادي لأسر الطلبة يسعفهم لشراء قطع غيار هذا الجهاز الحساس؟، وهل المستوى الاقتصادي الصعب وغلاء الأسعار.. يمكن أن يدفع الطالب لبيع جهازه وشراء معطفاً يقيه برد الشتاء؟، وهل يمكن أن تتغير ثقافة التعليم المعتمد على الأحبار والأوراق.. إلى تعليم إلكتروني في ليلة وضحاها دون مراحل تمهيدية؟، وكيف يمرر الطالب أصابعه بمرونة على شاشة التابلت في ظل كثافة طلابية تعاني منها المدارس المصرية؟، وكيف تؤمن الوزارة الطلبة من مخاطر التيار الكهربائي؟.. إذ يجلس الطالب 6 ساعات يومياً على مقعده الدراسي.. والتابلت سيحتاج إلى توصيله بالتيار الكهربائي، وشحنه مرتين على الأقل خلال هذه المدة.
السيناريو الثاني: تجربة “تابلت محمود أبو النصر”:
وجد الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم الأسبق، نفسه أمام النيابة العامة، بعد صدور قرار إقالته، في مارس 2015، بتهمة إهدار المال العام؛ لذلك فتش الكاتب عبد الجواد أبو كب، رئيس تحرير بوابة روز اليوسف، في دفتر أعمال أبو النصر، ما جعله يصفه بأنه “الوزير الأسوأ على الإطلاق”، في مقال نشرته البوابة، وفيما يلي، سنتعرف على المأزق الأكثر خطورة، والذي أدى إلى شغور منصب وزير التربية والتعليم، من وزير قد حظى بمكانة علمية رفيعة، وتأييد واسع من الجمهور.
أنفق “أبو النصر”، ما يقرب من 400 مليون جنيه، لشراء 250 ألف جهاز تابلت، لطلاب الصف الأول والثاني الثانوي، فضلاً عن تدريب 12 ألف معلم، وبحلول العام الدراسي 2013/2014، تم توزيعهم، على مستوى ست محافظات، كخطوة أولى، على أمل، أن تحدث هذه التجربة نقلة نوعية، في نظام التعليم؛ حيث يتمكن الطالب، من خلال التابلت، من استقبال محتوى الكتب المدرسية، وأداء واجباته، وإجراء امتحاناته إلكترونياً، وأيضاً، يصبح التابلت شبكة تواصل بين الطالب والمعلم وولي الأمر.
وبعد أن سلمت الأجهزة للطلبة، وقعت الإدارات المدرسية في محنة؛ إذ استغاثت بالوزارة، وترجع دوافع الاستغاثة، وفق تقرير نشرته اليوم السابع إلى: 1- عدم توافر البنية التحتية بالمدارس لتشغيل التابلت. 2- تعطل التابلت باستمرار. 3- سقوط المناهج من التابلت كل فترة. 4- انقطاع الكهرباء المستمر. 5- عدم وجود الإنترنت بأغلب المدارس التي وزعت بها الأجهزة. 6- عدم المتابعة لإصلاح الأجهزة المتعطلة. 7- عدم قدرة الطلاب والمعلمين على التعامل مع التابلت. 8- بيع بعض الطلاب للأجهزة. 9- صناعة التابلت رديئة، وسريعة التلف. 10- بطئ الجهاز، وعدم توافق تطبيقاته مع مواصفاته.
لذلك، فرضت الخطابات التي وردت إلى الوزارة، من المدارس والمديريات، كلمتها، بضرورة إعادة طباعة الكتب المدرسية؛ حتى لا يضيع العام الدراسي على الطلاب، وبالفعل حدث.
وعلى صعيد آخر، ووفقاً لما نشر في عدد من الصحف المصرية، حصل 15 طالباً، قضوا دراستهم الثانوية، بمدرسة رامى زيدان الثانوية للبنين، التابعة لإدارة فارسكور التعليمية، بدمياط، على حكم بالحبس شهرين، بسبب تبديد التابلت المدرسي، على الرغم من توجههم بعد انتهاء سنوات دراستهم إلى الإدارة المدرسية، وتسليمهم الجهاز بملحقاته وعلبته الأصلية، إلا أن الإدارة رفضت استلامه لتعرضه لخدوش وكسور، وطالبت الطلاب بدفع قيمة الجهاز والذي يبلغ متوسط سعره 1250 جنيهاً.
تعكس هذه التجربة، بدقة مثالية، سيناريو العام الدراسي القادم 2018/2019، إذ لا جديد طرأ على حال التعليم المصري، منذ ولاية “أبو النصر”، فما زالت الوزارة لم تتخط مرحلة محو الأمية، التي تعني عدم قدرة الفرد على القراءة والكتابة، والتي تجاوزتها العديد من الدول في المنطقة العربية على الأقل، وأصبح مفهوم الأمية الجديد، هو عدم القدرة على التعامل مع تكنولوجيا العصر، ما يعني أن معطيات ومدخلات “أبو النصر”، هي نفسها مدخلات ومعطيات “شوقي”، وبالتالي، من المرجح، أن تصبح النتائج متشابهة إلى حد التطابق.
تفرض هذه التجربة، على صانع القرار، دراسة عوامل فشلها، وألا يكررها، حتى لا تتكبد ميزانية الدولة، مليارات الجنيهات مرة أخرى، ويجد الدكتور طارق شوقي، نفسه بطلاً لسيناريو كهذا، بعد عام أو عامين على أقصى تقدير، ومن ثم، يجب أن يتحرر “شوقي” من حجم الضغوط التي يمارسها على نفسه؛ نتيجة شهيته المفتوحة تجاه اتخاذ القرارات، والتي تطغى سرعة إصدارها على وقت دراستها، ومن ثم، عليه أن يوقن أن المجتمع المصري أصبح مهيئاً، بفعل وعوده وعهوده، إلى تعليم لا يقل جودة عن ذاك الموجود داخل مدارس فنلندا وسنغافورة، وإن لم يتحقق ذلك، سيؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، بالنسبة لوزير يتمتع الآن بمساندة من قبل وسائل الإعلام، ودعم مباشر من رئاسة الجمهورية.
السيناريو الثالث: تجربة مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا “STEAM”:
يسعى الكثير من الطلاب المتفوقين في المرحلة الإعدادية إلى الالتحاق، بمدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا، أو Schools of Science, Technology, Engineering and Mathematics، وهي مدارس ثانوية على أرض مصرية، بشراكة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USID”، وتتبع هذه المدارس، منهجاً أمريكياً، لتعليم الطلبة، وبناء شخصياتهم، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، ويبلغ عددها في مصر 11 مدرسة.
تنفق الدولة ما يقرب من 100 مليون جنيه، لبناء مدرسة واحدة من هذه المدارس، أي ما يعادل قيمة، بناء 5 مدارس حكومية عادية، وترصد هذه الميزانية الضخمة، لتجهيز معامل على أعلى مستوى، وتوفير أماكن لإقامة الطلاب، وتوفير مناخ تعليمي يساعدهم على الابداع، ويتسلم كل طالب جهاز لابتوب، ورغم كل هذه الميزانية الضخمة، إلا أن طلاب هذه المدارس، لا يكفون عن الاعتصامات والإضرابات مع بداية كل عام دراسي.
رصدت ڤيتو، المشاكل التي يعتصم الطلاب وأولياء أمورهم، بسببها، وأهمها: 1- معلمي المدرسة ليسوا بالكفاءة التي تسمح لهم بالتدريس، لطلاب المدرسة؛ فطلاب المدرسة مستواهم أعلى من المعلمين. 2- انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، رغم اعتماد دراستهم عليها. 3- عدم رعاية الوزارة لمشروعات وابتكارات الطلاب. 4- عدم توفير منح خارجية أو داخلية للطلبة. 5- أبسط المشكلات المادية كالحبر والأوراق لا تستطيع المدرسة التغلب عليها، ويتولى أولياء الأمور مسؤولية توفيرها. 6- عدم تجهيز المدارس، بالأدوات والإمكانيات اللازمة للدراسة، والتي تعتمد على البحث العلمي. 7- كثرة انقطاع خدمة الإنترنت، وعدم وجودها بالأساس في بعض المدارس.
ووفق صوت الأمة، فإن أولياء أمور، طلاب مدرسة المتفوقين بالسادس من أكتوبر، أرسلوا مع بداية العام الدراسي الجاري، استغاثة إلى رئيس الجمهورية، مفادها أن المدرسة طالتها يد الإهمال والفساد؛ فقد أهملت وزارة التربية والتعليم؛ سواء مسؤلي التعليم الثانوي، أو هيئة الأبنية التعليمية، أو صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، في أعمال الصيانة والمشاكل المزمنة، والتي مر عليها، ثلاثة أعوام متتالية، وتتمثل في الانقطاع الدوري، والشبه دائم للكهرباء، وأحياناً كثيرة انقطاع المياه، والانقطاع المستمر لخدمة الإنترنت، علي الرغم من أن الدراسة بهذه المدارس تعتمد كلياً على الإنترنت، وأنهم طرقوا كل الأبواب مراراً وتكراراً، وقابلهم المسؤولون، ببيروقراطية ممنهجة لإفشال منظومة مدراس المتفوقين.
يستمد هذا السيناريو قابليته للتحقيق من كونه محاولة فعلية، لتطبيق نظام تعليمي أجنبي، داخل مصر، في الوقت الذي يستورد فيه وزير التعليم فكرة التابلت، من فنلندا، وبالتالي، تتوفر إمكانية الحصول على تصور، بشأن مدى نجاح التجارب الغربية داخل مصر، ومدى استجابة العنصر البشري وتعامله معها، إذ عكست الحقائق، أن الطالب المصري وكذلك المعلم، بحاجة ماسة إلى تدريب وتأهيل نفسي وعلمي للتعامل مع أدوات وطرق التعليم الحديثة، والبنية التحتية للمدارس تحتاج رصد ميزانية ضخمة، لتهيئة المناخ، لاستقبال التابلت.
السيناريو الرابع: تجربة السبورة التفاعلية في مصر والكويت: تعد السبورة التفاعلية أو السبورة الذكية، أو كما يقول الكويتيون، اللوحة التفاعلية، أحد أدوات التعليم، في القرن الحادي والعشرين، وهي عبارة عن سبورة نشطة، توصل بالحاسوب، وتعمل باللمس؛ حيث يلمس المعلم السبورة، ليتحكم في جميع تطبيقات الحاسوب، وتأتي مزودة، بسماعات وميكروفون لنقل الصوت والصورة، ولو قام المعلم بكتابة جملة، أو رسم شكل من الأشكال التوضيحية، أو عرض صورة من الحاسب أو الإنترنت، فيمكنها علي الفور حفظها في ذاكرتها ونقلها لجهاز الطالب سواء لابتوب أو تابلت، ويمكن لأي طالب أن يبعث، بما لديه من ملاحظات ومساهمات في الدرس لعرضها علي السبورة.
دفعت هذه المزايا، بصانع القرار المصري، إلى شرائها ووضعها في المدارس، ليبلغ تكلفة السبورة الواحدة، بأجهزتها المساعدة، حوالي 15 ألف جنيه، ليصل إلى الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم السابق، عدة شكاوى من الإدارات المدرسية، بعدم قدرتهم على تشغيلها على نحو مثمر، ما دفعه لجولات تفقدية، للمدارس، لتوقيع عقوبات، على المسؤولين، الذين لم يفعلوا السبورة الذكية؛ وقد تلقى مدير مدرسة الثانوية الخديوية، بالسيدة زينب، على سبيل المثال، إنذاراً بتوقيع عقوبة عليه، وفق صحيفة الشروق
وجاءت بعض مظاهر سوء استخدام السبورة، ومظاهر نقص الإمكانيات اللازمة لنجاح التجربة، والتي دللت على عدم فاعليتها بالمدارس المصرية، كالتالي: 1- المعلمون استخدموا الأقلام الخاصة، بالسبورات العادية وكتبوا بها، على السبورات الذكية الحساسة، وعندما لم يتمكنوا من مسح ما كتبوه على السبورات الذكية، استخدموا البنزين، ومواد من هذا القبيل، لإزالة المكتوب على هذه السبورات؛ ما أدى إلى تدميرها تماماً. 2- بعض المدارس استلمت السبورات الجديدة، وتم تخزينها حفاظاً على العهدة. 3- خلو المدارس من مسؤولين عن صيانة السبورات. 4- عدم وضع الوزارة، مناهج، وتحديد طرق للتدريس؛ بالكيفية التي تتناسب مع استخدام السبورة الذكية؛ لأن الوزارة، وزعت السبورات على المدارس، قبل تعديل المناهج، وقبل وضع طرق التدريس المناسبة لاستخدامها.
وبناءً على ما سبق، تتمثل عوامل عدم فاعلية السبورة الذكية، في المدارس المصرية، في عدم تأهيل القوى البشرية على التعامل مع الأساليب التكنولوجية المستحدثة في التعليم، وعدم الاهتمام ب”خدمات ما بعد التوزيع” من صيانة ومتابعة دورية للسبورات الجديدة، وإهمال الوزارة وضع طرق تدريس متطورة، ومناهج تفاعلية، تناسب الأداة التعليمية الحديثة، التي توصل إلى الطالب المعلومة.
وفي الكويت، مشروع السبورة الذكية، كلف الدولة ما يقارب أربعة ملايين دينار كويتي، ومع ذلك، خلفت التجربة آثاراً غير مرغوبة، وفيما يلي أهمها، حسب صحيفة النهار الكويتية: 1- عدم إجادة، المعلم والطالب استخدام السبورة؛ نتيجة عدم تدريبهم على كيفية التعامل معها. 2- تهديد نسبة الأمان بالفصل الدراسي، من ناحية الوصلات الكهربائية. 3- ضياع وقت الحصة الدراسية في محاولات استخدام السبورة. 4- توقف الحصة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. 5- تخزين السبورات في كثير من المدارس، نتيجة عدم وجود مراكز لصيانتها.
مثلت هذه التجربة، التي تكررت في البلدين، نموذجاً مصغراً لحالة التخبط التي عاشتها المدارس المصرية والكويتية؛ نتيجة النقل الحرفي لسياسة دمج التكنولوجيا بالتعليم، الواردة من الخارج، ويمكن التنبؤ، بالتحديات التي ستواجه التابلت الجديد، من خلال دراسة التحديات التي واجهت السبورة الذكية؛ إذ إن كلاهما أداة مستحدثة في التعليم، تحتاج إلى تأهيل وتدريب للقوى البشرية التي ستتعامل معها، وتيار كهربائي لا ينقطع، أو بديل في حالة الانقطاع، وبنية تحتية في المدارس، وليس الأمر كما ذهبت بعض التحليلات، بأن الجميع أصبح يستخدم الأجهزة الحديثة في الحياة اليومية، وبالتالي كما يستخدمها خارج المدرسة، يمكن أن يستخدمها داخل المدرسة.. مثل هذه الأمور لا يجب أن تحسم بمجرد افتراضات وتصورات شديدة السطحية، بل المعادلة أصعب بمستويات عديدة، مما يتصور البعض.
تعلمنا، هذه السيناريوهات الأربعة، الفرق بين شيئين مهمين، وهما، النية والقدرة، فنية الوزارة لتطوير التعليم، لا تعني، أنها ستصل إلى مرادها، بينما بدراسة الإمكانيات البشرية والمادية، وبناء تصور للتطوير وفق القدرة وليس وفق النوايا والرغبات، هو السبيل للإصلاح.
ليس بالضرورة، أن يرتبط تطوير التعليم، بتحويل الكتاب إلى تابلت؛ فالدكتور محب الرافعي، وزير التربية والتعليم الأسبق، رفض مشروع التابلت تماماً، لأنه يميل إلى التجربة اليابانية، التي تعتمد على العلاقة المباشرة بين الطالب ومعلمه، وتعزيز روح الجماعة، وليس الفردية أو الانعزالية التي يؤدي إليها التابلت، وبهذه الرؤية اليابانية، احتلت اليابان المرتبة التاسعة، في جودة التعليم، وفق آخر تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، بينما جاءت فنلندا في المرتبة العاشرة