بقلم / أ . د . محمد إبراهيم طه خليل كلية التربية ـ جامعة طنطا
لابد من التأكيد علي أن الإسلام كان سباقا في طرح القيم المدنية فكرا وممارسة وفق معايير ضمنت الحقوق والواجبات وشكلت الأسس التي بنيت عليها الحضارة الإسلامية ، فتطور المجتمع الإسلامي باتجاه المدنية تميز بغرس قيم الديمقراطية التي تعزز بنية الإنسان المنتمي لهذا المجتمع ، وشعوره بحقه في الحياة وواجباته نحو الآخر ، وقد اتضحت هذه القيم في ظل الإسلام الذي رسخ الديمقراطية في مؤسساته عندمت أكد علي حرية الفرد في ممارساته الحياتية ، وحقه في ابداء الرأي (وشاورهم في الأمر ) وحقه في العيش الآمن الكريم ، وواجبه نحو الآخر الذي تمثل بمبدأ (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) مما يمكن أن يلخص فعالية الفرد ضمن الجماعة ، وقد تحولت هذه القيم من أفكار مجردة إلي واقع اجتماعي يعبر الناس عنه في ممارساتهم الحياتية ، وقد شعروا بالعدل والمساواة علي اختلاف عروقهم ، وأصولهم فالناس سواسية كأسنان المشط ولافضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي والعمل الصالح كما جاء في خطبة الوداع للنبي محمد صلي الله عليه وسلم .
وقد كان فهم الإسلام لمسألة الديموقراطية عميقا وينطلق من مبادئ إنسانية وحضارية في حين أن بعض الديموقراطيات المعاصرة تنطلق من مصالح سياسية أواقتصادية وتتميز بالإزدواجية في معايير فهم الديموقراطية ، ويمكن لنا أن نستشهد بوظيفة الأسرة في التربية المدنية كما حددها الإسلام بتعليم الأطفال المسؤلية ، والمحافظة علي البيئة ، والمواطنة ، ونقل الحضارة والثقافة ، وأسس النظام السياسي والإقتصادي ،والإجتماعي ، والأخلاقي ، والديموقراطية والعدالة والسلام وحب العمل ، وغرس قيم الخير والجمال والتسامح والتعاون لديهم ، وينبغي هنا التأكيد علي اأن هذه القيم لاينبغي استيرادها ولاتقليد المجتمعات الأخري في تطبيقها ، إذ هي تشكل جوهر تراثنا العربي الإسلامي ، وهي معالم أصيلة في حضارتنا العربية علمناها لكثير من الأمم وأسهمنا بها في الحضارة الإنسانية وينبغي علينا أن نستنبطها من إرثنا الحضاري ونشكلها وفق مرتكزاتنا الثقافية والإجتماعية والدينية .
ومن أهم مبادئ التربية المدنية التربية علي تحمل المسئولية وهي الإلتزام بالإلتزام نحو الأشياء ، والأفراد ، والأفعال التي تصدر عن الإنسان ، وهي شعور مقترن بإحساس الفرد بالحرية والقدرة علي اتخاذ القرار ، إنها الشعور الذي يخلق الواجب نحو الآخر ، ونحو مايصدر عنه باعتباره كائنا عاقلا قادرا علي التمييز ، وقد كانت المسئولية اساسا من أسس التربية المدنية الإسلامية التي منحت الإنسان الحرية وحق الملكية ، وفرضت عليه واجبات نحو الآخر في المجتمع الذي ينتمي اليه ونحو الإنسان فجاءت الآيات القرآنية والآحاديث والممارسات لتؤكد مسئولية الإنسان نحو مايصدر عنه بحق الآخر (ولاتزر وازرة وزر أخري ) (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).
ومن مبادئ التربية المدنية أيضا التربية من أجل الحفاظ علي البيئة غالمجتمع المدني ليس مجموعة بشرية منظمة متوائمة في ظل مجموعة من القيم فحسب ، إنه مجتمع ينتمي إلي مكان محكوم بطبيعته ، ومدي صلاحيته للعيش الإنساني ، لذلك وجب علي التربية المدنية أن تتجه منذ البداية نحو حماية المكان أو البيئة الطبيعية ورعايتها لتكون في أفضل حالاتها، ونذكر هنا بوصية أبي بكر ليزيد ابن أبي سفيان قائد جيش المسلمين وجنوده ،والتي جاء فيها (إني أوصيك بتقوي الله وطاعته والايثار له والخوف منه وإذا لقيت العدة فأظفركم الله بهم فلاتغلل ولاتمثل ولاتغدر ولاتحرقوا نخلا ولاتفسدوه ، ولاتقطعوا شجرة مثمرة ، ولاتعقروا بهيمة إلا لمأكلة ).
ومن اهم مبادئ التربية المدنية أيضا التربية للإعداد للمواطنة وهذا الإنتماء يرتب واجبات علي الإنسان كما يولد فيه شعور المحافظة علي ماينتمي اليه وإذا شعر الجميع بالمواطنة الصحيحة والإنتماء للوطن حافظوا عليه وامتنعوا عن العبث بمقدراته ويتجهون نحوحماية المصلحة الوطنية.
ولاشك أن التربية المدنية وفق هذا المنظور فعل لايقتصر علي المؤسسات المدرسية ، بل يتعداها إلي مؤسسات المجتمع الأخري ، الأسرة ،وسائل الإعلام ، والمؤسسات والمنظمات الإجتماعية والثقافية المتنوعة ، وأن لها دور فاعل في زيادة الحراك الإجتماعي نحو التطوير ، وبطبيعة الحال فإن طرحنا للتربية المدنية لايعني دعوتنا لتعاليم مدرسية تقليدية تلقن وتنسي ، وإنما هي منهج متكامل تتشارك في تحقيقه وتنفيذه مؤسسات المجتمع كافة ، ويناط بالأسرة الدور الأساسي في غرس منظومة قيم التربية المدنية ، وتعزز المدرسة هذه القيم ،ثم تقوم مؤسسات التنشئة الإجتماعية الأخري بتعزيز وتطبيق أهداف التربية المدنية وتكوين الضمير الإجتماعي والوصول لمرحلة تمثل هذه القيم ، وهذا لايتمبجهد مؤسسة إجتماعية واحدة بل تتضافر كافة المؤسسات ذات الصلة .
ووفق النظرة الاسلامية فإن علي التربية المدنية أن تساهم في خطط التنمية الإنسانية والإجتماعية والأخلاقية وحل مشكلات المجتمع والإنسان وبالتالي حل مشكلات الأمم والشعوب .