شخصيات علمية وتربوية
نيكولاس كوبرنيكس
ولد نيكولاس كوبرنيك في 19 فبراير من سنة 1473 ببولندا. برع في الرياضيات والفيزياء والفلك والطب. ويعتبر مؤسس علم الفلك الحديث. بدأ حياته راهبا و مدافعا عن تعاليم الكنيسة، قبل أن ينهيها هاربا من الكنيسة ومضايقاتها، بعد بلورته لنظريتين أعتبرتا الانطلاقة الحقيقة للثورة العلمية في عصر سادت فيه الدوغمائية على التفكير العلمي الحر، و ارتبطت فيه العلوم بالخرافة والشعوذة. أمضى نيكولاس عشرين سنة من عمره عاملا على نظرية مركزية الأرض.
بعد تأليفه لبحثه الشهير الذي برهن فيه أن الشمس هي مركز هذه المجموعة التي من بينها الأرض. ألّف كتاب اخر عن دورة الأجرام السماوية سنة 1533، هذا الكتاب الذي لم يرى النور إلا يوم وفاة نيكولاس خوفا من غضب المجتمع الديني.
أكد كوبرنيك في هذا الكتاب على دوران الأرض حول نفسها. وعلى دوران القمر حول الأرض. بالاضافة إلى النقطة الأساسية والتي تمثلت في أن الأرض والكواكب الأخرى كلها تدور حول الشمس.
لم تكن هذه الأفكار طبيعية في القرن 15م. فقد كانت جريئة وصادمة، بعد أن صدق الجميع و لمدة قرون الفكرة الأريسطية التي تجعل الأرض مركز العالم و تجعل مسارات الدوران دائرة كدلالة على الكمال الكوني.
لقد كانت نظرية نيكولاس كوبرنيكوس حول مركزية الكون محط جدل كبير. كانت ثورة بكل المقاييس على الفيزياء الأرسطية وآرائها خصوصا فيما يتعلق بالحركة، و مركزية الأرض للنظام الشمسي وقد كانت الضربة الأولى التي وجهت إلى حالة الجمود الفكري الذي تخبطت فيه أوروبا والعالم.
توالت الضربات بعد ذلك من طرف ثلة من العلماء الفيزيائيين، وبالخصوص: كيبلر، غاليلو غاليلي ونيوتن الذين وُضِعُوا في مواجهة مباشرة مع رجال الدين و الكنيسة التي رأت في أفكارهم تمردا على سلطتها الدينية المطلقة. خالفت النظرية الجديدة، و التي أحدثت ثورة سميت فيما بعد ب”الثورة الكوبرنيكية”، المتعارف عليه وادعت أن كوكب الأرض ليس مركز النظام الشمسي بل هو مجرد كوكب كغيره من الكواكب يدور حول الشمس باعتبارها مركز النظام الشمسي، مما شكل ضربة مباشرة لللرواية الدينية و التي أعطت وصفا اخر للكون. ليتم وضع كتاب كوبرنيك المنشور، في خانة الكتب المحرمة. لم ينته الجدل حول النظرية بوفاة كوبرنيك بل استمر وطال فيزيائي و مفكري القرنين السادس عشر و السابع عشر الذين تعرضوا للاضطهاد أيضا.
أسس نظرية مركزية الشمس
استند كوبرنيكوس في نظريته التي قدمها في هذا الكتاب إلى أن حركة الأجسام السماوية يمكن تفسيرها بطريقة أفضل وأبسط إذا تركنا فكرة وجود الأرض في مركز الكون. وقدم تعاليمه بأن الشمس تمثل مركز الكون وتدور حولها الكواكب في مدارات دائرية. والحركات المرصودة للأجرام السماوية عبارة عن حركات ظاهرية تأتى من ناحية حركة الأرض والكواكب الأخرى في مداراتها ومن ناحية أخرى فهى ناشئة من دوران الأرض حول محورها.
وبذلك وضع كوبرنيكوس الأساس للآراء الحديثة. وقد أدى به افتراض مدارات دائرية على اختلاف مع الأرصاد، وبذلك وجد نفسه مضطراً للتخلي عن جزء من نظريته كما لجأ بالإضافة إلى ذلك إلى حركات إيبيسيكل من جديد. وبالرغم من ذلك لم تتمكن نظريته الكوكبية من تفسير الأرصاد بدقة أكثر عن النظريات عن النظريات القديمة. وبذلك لم تعارض تعاليمه في القرن اللاحق من الكنيسة فقط وإنما رفضها الفلكيون أيضاً.
ان الثورة العلمية التي أحدثها كوبيرنيك تقوم على نقض مفهوم النظرية التاريخية القائمة وهي نظرية مركزية الأرض، وهي النظرية القائلة بأن الأرض هي مركز الكون – المجموعة الشمسية – وأن كل الكواكب تدور في فلكها، وكانت هذه النظرية قائمة على ملاحظات الإنسان بأن الشمس شكلياً هي التي تدور حول الأرض وتبدأ دورتها من الشرق إلى الغرب، وقد أسس لهذه النظرية العالم اليوناني بطليموس.
كان كوبيرنيك هو أول من عمل في هذا الوقت المعاصر على نموذج مركزية الشمس في المجموعة الشمسية. وقد أسس نظريته على ما كان معروفاً من حركة الكواكب وبفضل الحسابات الجديدة التي قام بإجرائها ومراقباته الفلكية تأسست نظريته على عنصرين هامين هما: تدور الكواكب في فلك حول الشمس. والأرض واحدة من هذه الكواكب وتدور حول محورها.
أصبحت هذه النظرية هامة للغاية ليس فقط لأنها أساس لعلم جديد بل حطمت بعض الأفكار التي كانت سائدة ومحاولة للوقوف ضد الأفكار الثابتة التي سادت في هذا المجال. ويمكن القول بأن كوبيرنيك قد ساهم في نشأة علم متحرر من الايدلوجيات والعقائد الدينية، أثرت نظرية كوبيرنيك على نظرة الإنسان بالنسبة لوضع الأرض في هذا الكون.
وبهذا لم يعد الإنسان سيداً وذو صفة مركزية في الكون ولكنه جزء من هذا الكون. قام كوبيرنيك بوضع الشكل العام لنظريته في سنة 1510 في عمله تحت عنوان ” تعليق صغير” والذي لم ينشر بشكل رسمي. تأسست نظريته وتبلورت بالكامل بعد 15 عاماً من هذا الوقت بعد قيامه بعدة أبحاث فلكية. كان عمله الأساسي “عن دوران الأجرام السماوية” المنشور في عام 1543 عبارة عن محاضرة له عن نظرية الفلك والخاصة بدوران الأرض وكواكب أخرى حول الشمس. وقد أسس نظريته على الحسابات الفلكية.
كان كوبرنيكوس مولعا بالفلك وكان شديد التأثر والاعجاب بالعالم العربي البتاني واقتبس الكثير من اعماله كما ذكر كوبرنيكس في كتابه، كما كان اكثر ما يزعج كوبرنيكس في نظرية بطليموس انها معقدة للغاية. مسارات الكواكب كانت عبارة عن خليط من الدوائر – epicycle – كما ان تصور بطليموس يحتوي على خمس مصادفات غريبة.
الا وهي ان كل من الكواكب الخمسة عطارد, زهرة, المريخ, المشتري وزحل كلها تدور دورة كاملة حول الأرض في عام كامل. قال كوبرنيكس كما قال ارسطرخس قبله بل ان الأرض هي التي تدور حول الشمس في عام كامل ونتيجة لهذا تبدو الكواكب وكانها هي التي تدور حول الأرض في عام. كما كان لنظرية كوبرنيكوس ميزة اخري عن نظرية بطليموس. فباستخدام نظرية كوبرنيكوس يمكن حساب المسافات النسبية بين الكواكب بعضها وبعض. وكان هذا غير ممكن في اطار نظرية بطليموس.
توفي نيكولاس كوبرنيك سنة 1543، بعد أن أحجم عن نشر كتبه لأكثر من مرة، حيث طبع نسخة واحدة من كتابه الشهير حول مركزية الأرض للنظام الشمسي.
بل إن كتابه هذا تعرض للتزوير بعد إضافة مقدمة وبعض الإستنتاجات إليه بهدف إضعاف النظرية.