
بقلم / د. حسام الرفاعي
الشباب والثقافة
تلعب الثقافة ومنظومات القيم دوراً محورياً في بناء المجتمع لكونها التي تتولى تنظيم التفاعل الحادث في المجتمع، فالبشر يؤدون أدوارهم وينجزون سلوكياتهم وهم موجهون بقيم الثقافة، فكلما كانت الثقافة ومنظومات القيم أكثر فاعلية في ضبط التفاعل الاجتماعي كلما توقعنا أن يكون المجتمع أكثر استقراراً، ذلك يفرض علينا التعرف على ماهية الثقافة ثم ما هي منظومات القيم المُشكلة لها؟ ما هي مصادر الثقافة ومنظومات القيم؟ ثم كيف تلعب الثقافة أدوارها في تنظيم التفاعل الاجتماعي؟
وفى محاولة تحديد ما هي الثقافة فإنها تُعرف بإعتبارها تتشكل من منظومات القيم الفوقية التي تلعب دورها في تنظيم التفاعل والعمل في مختلف مجالات الواقع الاجتماعي.
وعموماً تسهم الثقافة بدور رئيسي في مدى تقدم وتطور المجتمع، فكلما كانت عادات وتقاليد وقيم المجتمع إيجابية وتتضمن في طياتها إتجاهات وجوانب جادة ومفيدة صوب التنمية وتقدم المجتمع والسعي المتواصل للتخلص من واقع التخلف المؤلم الذي يعتبر مصدراً جوهرياً لمشاكل المجتمع المختلفة من فقر وبطالة وتنامي العشوائيات وتدني مستويات التعليم والرعاية الصحية ومشاكل حماية البيئة وخلافه من عوائق ومصاعب متعددة بمثابة حائل يصعب بلوغه لتحقيق أهداف التنمية التي تتوق إليها كافة أطياف المجتمع المصري.
ومما لا شك فيه، ظهرت في الآونة الأخيرة ثقافات فرعية خاصة بالشباب ولها خصائصها المميزه ومن ثمه يعد الشباب الآن جماعه لها مجموعة من القيم والعادات الخاصة بها ويتميزون بها عن باقي فئات المجتمع ونقصد بالثقافة الفرعية للشباب أي تطور نمطهم الخاص بالحياة والملبس والموسيقي وعلاقاتهم ويتمسكون بطرقهم تلك، وفي كثير من الأحيان تتحول ثقافة الشباب إلي ثقافة مقابلة فمن الحركات أو الأنماط الشبابية التي ظهرت مؤخراً في أوروبا “الهيبيز” ونظر لها معظم المعلقين علي أنها كانت مميزة لتحول ثقافة الشباب إلي ثقافة مقابلة إذ تبنت موقف العداوة ضد النظم المنظمة للمجتمع والقيم السائدة وأصبح أسلوب حياتهم متمثلا في الاستمتاع بأقصى قدر بوقت الفراغ، كما نظر المعلقون إلي تلك الحركة علي أنها طليعة لثورة ثقافيه غير دمويه تربط الشباب بكل ما هو جديد مثل عالم الالكترونيات والتكنولوجيا المتقدمة.
وثمة تساؤل يدور في أذهاننا : ما هي العوامل التي أدت إلي ظهور ثقافة الشباب؟
والواقع أن هناك أربعة أسباب رئيسيه:
ـ يعتبر المال هو السبب الأول في ذلك، فشباب اليوم يسعون للحصول على الأموال بصورة أكثر من أسلافهم وهذا مرجعه إلي زيادة عمالة الشباب منذ الخمسينيات ولا ينفق الشباب عادة أموالهم علي الأشياء الجوهرية في حياتهم مثل الإسكان أو الأثاث ولكنهم ينفقون أموالهم علي قليل من السلع والملابس والتسجيلات والسيارات ومن ثم تبرز أهميته بوصفه قوة شرائية واقتصاديه فاهتمت المؤسسات التجارية بعرض كل ما يرضي أذواق الشباب حتى ولو كان منافيا لقيمهم وتقاليدهم الأمر الذي ابرز دور ومكانه الشباب وتدعيم أنماطهم الثقافية الخاصة بهم وكل هذا أدي بالشباب إلي أن يكونوا واعين لكونهم جماعه مستقلة عن المجتمع الكبير لهم طموحاتهم وقيمهم الخاصة بهم.
ـ نمو التعليم العالي وزيادته: ففي الوقت الذي كانت فيه نسبة اثنين في المائة فقط من الشباب يلتحقون بالتعليم العالي لم يكن للطلاب كجماعه عمريه كيان اجتماعي واضح ولكن اليوم فقد وصلت نسبتهم إلي أكثر من12% وهناك مئات من الكليات الخاصة بالتربية والفن ومعظم هؤلاء الطلاب يشتركون في نمط الحياة نفسه والقيم نفسها والأذواق الموسيقية نفسها. فوجود هؤلاء الطلاب في نظام اليوم الدراسي الكامل من شأنه أن يجعل لديهم فرصة اكبر لكي يعيشوا ويعتنقوا قيما جديدة خاصة بهم وتختلف عن قيم الصغار والكبار معا.
ـ طرق التنشئة الإجتماعيه Socialization للأطفال والشباب: ويتبني براين ويلسون هذا المتطور ويجعل من الأساليب الحديثة لتربيه الأطفال سببا مباشرا لنشأة وتكون جماعات المراهقين غير المرتبطين بقيم المجتمع وغير المستعدين للحياة الإجتماعيه ومن ثم يري أن أصول ثقافة الشباب تكمن في الأساليب المختلفة والمتعارضة التي نعامل بها أطفالنا في مراحلهم ألعمريه المختلفة إلي أن نصل إلي نقطة معينة تؤكد فيها علي التطور الحر للشخصية الفردية وهو ما يؤدي بالشباب بعد ذلك إلي الشعور بالاغتراب.
ـ وأخيرا ما يتعلق بالجانب الآخر من المعادلة بين الشباب والمجتمع وهو متاعب المجتمع والعالم حسبما يراها الشاب أو الفتاة حيث ينقدون المجتمع بكل نظمه بسلسلة من الانتقادات اللاذعة
ولكن مهما كانت قيود المجتمع تجاههم فهم يشتركون في شيئين:
أولاً : عدم الاهتمام بعالم الجيل الأكبر وهو عالم يرون أنفسهم غير مسئولين عنه وغير منتمين له فكرياً وفي حالة تصادم معه.
ثانياً : إن الشباب يشتركون في انتقادهم لكل المجتمعات التكنولوجية بدون استثناء.
ـــــــــــــــــ
ففي ظل الظروف الحرجه التي تعصف بمجتمعنا المصري من تحديات هائلة بعد ثورتي 25 يناير2011، 30 يونيو 2013 وما شهدته البلاد من أنحراف منظم في المجتمع الذي ظهر كثقافة فرعية أو نسق سلوكي مصحوب بتنظيم إجتماعي خاص، له أدوار ومراكز مجتمعية وأخلاقيات وإتجاهات وسلوك سلبي مخالف لثقافة المجتمع الأم. فالتخبط القيمي وفقدان القيم الفوقية والمعايير المجتمعية أدى للصراع الذي نشهده الآن. فيجب على كافة الجهات الحكومية والمدنية والأعلام ودور العبادة وقبلهم التعليم أن يتصدى لهذه الثقافات الفرعية الهدامة بغرس وتأكيد القيم والإتجاهات الإيجابية التي بدورها تزيد الأنتماء للوطن وتترجم لسلوك بناَء متعاون متكييف متوافق مع القيم المجتمعية السائدة وأتحاد إتجاهاته وأهدافه ومصالحه وتعمل على توافق أفراد المجتمع الواحد، ونبذ القيم والإتجاهات السلبية التي تؤدي بدورها سلبا لتفكك المجتمع وعدم إستقراره ومن ثمه الأنظمة المنظمة للمجتمع الأم.
الرابط الدائم: https://www.egymoe.com/17666/ ِ