فى قصة قصيرة جدا للأديب البرازيلي ” باولو كويلو ” : كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة ، لكن ابنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بإخراج ورقة فى الصحيفة التى كانت تحتوى على خريطة العالم ، ومزقها إلى أجزاء صغيرة ، وقدمها إلى ابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ، ثم عاد لقراءة صحيفته ، ظنا منه أن الطفل سيطل مشغولا بقية اليوم ، إلا أنه لم تمر دقائق قليلة حتى عاد الطفل إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة ، فتساءل الأب مذهولا : هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا ؟ ، رد الطفل قائلا : لا ، لقد كانت هناك صورة إنسان على الوجه الآخر من الورقة ، وعندما أعدت بناء الإنسان أعدت بناء العالم أيضا .
ان المعنى الذى تحمله هذه القصة القصيرة عظيم عظيم ورائع ، تأملوا معى الجملة الأخيرة من القصة ” عندما أعدت بناء الإنسان أعدت بناء العالم أيضا “
هكذا الإنسان هو محور بناء الحضارات والإنجازات والنجاحات ، وإسلامنا يعلمنا أن الله استخلف الإنسان لإعمار الأرض ، وبناء الحياة فيها ، وما نراه من تقدم هائل فى كل مجالات الحياة ، ما كان ليحدث إلا بمبادرات وإنجازات أناس وضعوا بصفتهم فى تاريخ البشرية .
أكرر ” الإنسان قبل البنيان ” وهذا شاهد التاريخ على صدق المقولة : فسور الصين العظيم احد عجائب الدنيا ، تم بناؤه فى الأصل كمشروع عسكرى دفاعى ، يتكون من حوائط دفاعية ، وأبراج مراقبة ، وممرات استراتيجية ، وثكنات للجنود ، وابراج انذار ، فى عهد أسرة مينج الملكية ، بلغ طوله 7000 كيلو متر ، وكان عدد الجنود المرابطين على خط السور فى ذلك العهد حوالى مليون جندى ، ويمر سور الصين العظيم بتضاريس جغرافية مختلفة ومعقدة ، حيت يعبر الجبال يخترق الصحراء ، ويتجاوز المروج ويقطع الأنهار . ورغم هذا الإعجاز المعماري غير المسبوق ، فإنه خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور العظيم ، تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات ، وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه أو هدمه ، بل كانوا فى كل مرة يدفعون للحراس الرشوة ، ثم يدخلون عبر الباب بكل بساطة . لقد انشغل الصينيون ببناء البنيان (السور ) ونسوا بناء الإنسان (الحراس ) .
وإذا كان ثمة سؤال يطرح نفسه هو : كيف نبنى الإنسان ؟ فالجواب بكل بساطة : التربية . . التربية . . التعليم . . التعليم
وما زلت أحفظ المثل الشعبى الذى كانت تردده جدتى على مسامعنا دائما ” ابن ابنك ولا تبن له ” ، وما أعظمه من مثل .