يستهوينى دائما متابعة ما يكتب عن العالم الافتراضى ، ذلك العالم الذي فرضته على الناس فرضا تكنولوجيا العصر الرقمى ، وما فى هذا العالم من إيجابيات أفادت وتفيد البشرية منها على اصعدة الحياة المختلفة ، وما تلحقه أيضا بالبشرية من تدمير مادى ومعنوى .
وفى توصيف دقيق لهذا العالم الافتراضى ، استوقفنى مصطلح “عالم مستعار ” الذى صكه الدكتور بهاء الدين محمد مزيد ، فى مقال كتبه تحت هذا العنوان ، الذى ربط فيه بين مسمى العالم الافتراضى ، والاستعارة تلك الظاهرة اللغوية البشرية . وصحيح ذلك بوجه من الوجوه .
فإن ” ويندوز” تعنى نوافذ ، والنوافذ منافذ الى أسرار البيوت ، ومتننفس للمسجونين والمقهورين الذين لا يستطيعون الخروج ، وعيون على العالم وما يقع فيه ، ان نوافذ الكمبيوتر والانترنت تنقل العالم إلى المستخدم ، وتنقله إلى العالم ، كما تفعل نوافذ و” شبابيك ” البيت التى يرى منها قاطنوه العالم ، وفى العالم الافتراضى أبواب وبوابات وبيوت ، وفى كل بيت جدران معلق عليها صور أصحابها وصور أهليهم واصدقاىهم ، شهاداتهم وما إلى ذلك .
هذه استعارة ، والاستعارة ظاهرة لغوية بشرية وهى نوع من أنواع المجاز اللفظى ، وهى تقرب المعنى وتجسده ، يمكن أن نعطى مثالا لها لمن يريد أن يعرفها ، فنحن اذا قلنا : ” كان الرجل يزأر غاضبا ” ، فقد استعرنا فعل الزئير من الأسد للكلام عن الرجل ، لكن الزئير يبقى عارية مستعارة ، فلا الرجل يصبح اسدا فى الحقيقة ، ولا الأسد يصبح رجلا كذلك .، وقد استعار الرئيس الأمريكى ” جورج بوش ” عبارة ” العصا والجزرة ” لوصف السياسة الأمريكية ، ولم يقف مترجمو العبارة الإنجليزية عند فحواها فنقولها هكذا ، وهم لا يعلمون أنها سياسة يستعملها البشر فى قيادة الجمير والدواب .
ويذهب الدكتور مزيد إلى أنك أيما يممت وجهك فى المجتمعات الافتراضية ، فسوف تجد الاستعارات اللغوية والبصرية : من صندوق الوارد وصندوق الصادر ، وسلة المهملات فى البريد الإلكترونى ، الى غرف الدردشة إلى واحة المغردين ( تويتر ) ، وكتاب الوجوه ( فيسبوك ) ، وسوف تجد قرصنة وغسيل أموال . . سوف تجد عالما كبيرا موازيا لعالم الواقع ، يسعى أن يكون بديلا له يستعين فى ذلك بأدوات شتى منها الاستعارات اللغوية والبصرية .
ومن طريف ما وقعت عليه عينى يوما – يقول -بهاء الدين – صورة تجمع بين حرف ( f.) الذى يشير إلى فيسبوك يقف إلى جواره مفتاح انجليزى ، وفى ذلك جناس بصرى يشير إلى علاقة دلالية عميقة ، لقد كان الفيسبوك الدور الأكبر فى اندلاع الاضطرابات والثورات فى كثير من البلدان ، وكان له أثره الكبير فى تفتيت المركزية الجغرافية وحلحلتها ،وتفتيت الهويات العرقية والدينية . ان العالم الافتراضى حقا عالم مستعار .