اللهم انصر إخواننا في فلسطين ❤️🇵🇸🇵🇸

أخبار الجامعاتمقالات تربوية

المستقبل المظلم لخريجي الإعلام

بقلم : محمد الحنفي

في البداية اسمحوا لي أقدم اعتذاري لكل أب وكل أم اتمنوا لأولادهم وبناتهم اوائل الثانوية العامة دخول كليات الإعلام.. وأقدم اعتذاري لأولادي وبناتي الراعَبين والراغبات دراسة الإعلام.. واعتذر ايضا لاعضاء هيئات التدريس بكليات واقسام ومعاهد الإعلام الحكومي والخاص.. لكنه الواقع المرير والنهاية غير السعيدة بعد سنوات من الكد والاجتهاد والتفوق الدراسي ثم يتوجها الطالب بدراسة الإعلام على مدى ٤ سنوات وعند نقطة الوصول إلي الحلم يكتشف واقعا مظلما ومستقبلا اكثر اظلاما.. من واجبي التبصير وليس فرض الرأي لا سيما.وان تكلفة الدراسة في الجامعات الخاصة تخطت النصف مليون جنيه.. ما أكثر الطرق التي تكون بداياتها رائعة ونهاياتها انفاقا مظلمة.. حول مستقبل خريجي الإعلام في مصر يدور مقالي المنشور بمجلة المصور هذا الأسبوع فإلى نص المقال :

المستقبل المظلم لخريجي الإعلام

منذ إعلان نتيجة الثانوية يوم الثلاثاء قبل الماضي وتساؤلات أصدقائي من أولياء الأمور وأبنائهم الناجحين بتفوق ، والراغبين في الالتحاق بكليات الإعلام ، لا تنقطع .. طلباً للنصيحة ، وبقدر سهولة الإجابة ..بقدر صعوبتها .. لأنها وببساطة حُكمً بالإعدام على حلم اجتهد “الأولاد “حتى اقتربوا من تحقيقه ..ولاشك أن آثار إجهاض حلمهم جسيمة ! .. حلم أنا شخصياً عشته ، وضحيت من أجله ، وتعبت كثيرا حتى حققته ..لكن .. هيهات بين زماني وبين واقع الإعلام الحالي .. واقع مرير بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..ولأن من واجبي التبصير والتوعية وإسداء النصيحة .. قررت الرد على تلك التساؤلات بهذا المقال .
زمان .. لم تكن هناك سوى كلية إعلام واحدة على مستوى الجمهورية .. وكان عدد المقبولين بها لا يزيد عن الــ 300 طالب وطالبة .. نعم كان عددنا ثلاثمائة فقط عام 1977 .. الدفعة الواحدة تعادل “سيكشن ” في كليات أخرى كالتجارة أو الآداب أو الحقوق .. كنا ودفعات عديدة قبلنا وبعدنا فاكهة نادرة ، أثبتنا جدارتنا وتقلد الكثيرون منا مناصب رفيعة في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي .
اليوم قفز العدد إلى أكثر من 5000 خريج أو عاطل سنوياً أي أنك أمام حوالي نصف مليون متخرج متفوق عاطل خلال 10 سنوات فقط .. تقذف بهم 4 كليات إعلام حكومية ( القاهرة ــ بني سويف ــ جنوب الوادي ، وأخيراً كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة السويس التي أنشئت عام 2017) ، بخلاف أقسام الإعلام الكثيرة بكليات الآداب و التربية النوعية ، فضلاً عن 5 كليات تقريباً تابعة لجامعات خاصة بخلاف عشرات المعاهد العليا والأكاديميات الخاصة .
الـخمسة آلاف شاب وشابة أو يزيد الذين يتخرجوا كل عام .. يفيقوا من الحلم على واقع مظلم لا يجدوا فيه فرصة عمل ، بسبب تدهور الأوضاع المالية للمنظومة الإعلامية بشقيها الحكومي والخاص .. فعلى النطاق الحكومي أدى ذلك التدهور إلى وقف التعيينات بجميع المؤسسات الصحفية القومية وكذلك مبنى الإذاعة والتليفزيون “ماسبيرو ” منذ 3 سنوات ، ولا ينتظر فتحها على المدى القريب ، نتيجة التخمة البشرية الرهيبة التي تعاني منها والتي بلغت في بعضها 5 أضعاف احتياجاتها الفعلية ، في وقت تراجع فيه توزيع جميع المطبوعات الورقية وتراجعت معه عوائدها الإعلانية ومن ثم الإيرادات ، وسط مطالبات بتحويلها إلى صحف إليكترونية في ضوء خسائرها المالية الفادحة لا سيما بعد الارتفاع الرهيب بأسعار مستلزمات الطباعة من ورق وأحبار وزانكات وغيرها.
كذلك الوضع في “ماسبيرو” الذي انخفضت نسب مشاهدة قنواته بشكل رهيب وانصرف عنه المعلنون ومن ثم تتحمل الدولة شهرياً عبء رواتب العاملين به والمؤسسات الصحفية القومية .
إن قرار وقف التعيينات وإنهاء عمل المتدربين جاء بمثابة ضربة قاسمة لظهور هؤلاء الخريجين ، فتلك الجهات كانت مرفأ مهما يحقق حلم الكثيرين منهم.
ولم يكن القطاع الإعلامي الخاص هو الآخر أسعد حظاً ، أو بمعزل عن الأزمة الاقتصادية ، إذ عانى ولا يزال هو الآخر أزمات طاحنة ، ومني بخسائر مالية ضخمة خلال الأعوام الماضية ، اضطر على إثرها لغلق بعض الصحف والمواقع الإلكترونية التي كانت ملاذاً لعدد غير قليل من الصحفيين ، كذلك توقفت بعض الفضائيات وشُرد كل من فيها ، ودخل البعض الآخر تحت ما يسمى بعملية الدمج التي أطاحت هي الأخرى بجيوش من المعدين ومقدمي البرامج والمخرجين والفنيين ، ومعظمهم من خريجي كليات الإعلام ، الذين انضموا مرة أخرى إلى طابور العاطلين بكل أسف ، والطامة الكبرى أن عددا كبيراً منهم متزوجون ويعولون !
لا شك أنني لا أنصح أحداً أبداً بدخول كليات الإعلام في ضوء الأوضاع الصعبة الحالية التي تعانيها المنظومة الإعلامية ، والتي من المؤكد أنها ستمتد لسنوات طويلة ، فإجهاض الحلم قبل الالتحاق بالكلية أقل تأثيراً وأخف وطأة من صدمة الواقع بعد التخرج ، عندما لا يجد الخريج فرصة عمل في قطاع لا يحظى فيه بالأولوية .. قطاع مفتوح لجميع التخصصات ..وتدير الشللية والوساطة ” للأسف ” جزءًا عريضا منه ! .
نعم أنا ومن قبلي زملاء كثر .. لا نرحب أبداً بالالتحاق بكليات الإعلام في الوقت الحالي حتى لا يكتشف الخريج ــ وهو المتفوق دراسياً وربما كان من الأوائل ــ أنه أضاع 4 سنوات من عمره هدراً وربما يضيع سنوات أكثر من ذلك في البحث عن عمل ، ويصبح لزاماً عليه أن يحصن نفسه بـ “كورسات ” في مجالات أخرى غير الإعلام .. الذي قتل واقِعُه المرير ..حُلمه الكبير !
نعم لا أنصح أحداً بدخول كليات الإعلام “المصنفة ضمن كليات القمة “حتى لا يندم بعد فوات الأوان ..حتى لا يكتشف أن خريجي كليات ” القاع ” بحسب عرف ونظام مكتب التنسيق .. أفضل حالاً وأكثر فرصاً في العمل منه ! حتى لا يواجه مصير نجلي “محمود ” الذي التحق بكلية إعلام خاصة ــ رغم رفضي الشديد ــ فقد تخرج منذ 3 سنوات بتقدير عام جيد جداً ولم أستطع ” حتى الآن ” توفير فرصة عمل له داخل المنظومة الإعلامية رغم علاقتي القوية بغالبية من يديرونها ، وهو الآن يدرس المونتاج بعد أن حصل على عدة كورسات في التسويق الإلكتروني إيذانا بمغادرة مجال غير مأسوف عليه !
ومن مآسي خريجي الإعلام أذكر عندما كنت رئيس تحرير تنفيذي لبوابة “الهلال اليوم” التي أعتز كثيراً بتأسيسها .. أن عمل معي 4 من الحاصلين على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ، وللأسف لم يحالفهم الحظ بالتعيين في الكلية أو أية صحيفة أخرى رغم مرور 3 سنوات على تخرجهم .. ومن بينهم صحفية ماهرة كان ترتيبها الرابع على الدفعة ، لكنهم تركوا البوابة عندما علموا بقرار وقف التعيينات في المؤسسات الصحفية القومية .. وبعد بضعة أشهر التقيت صدفة بها وكانت صدمتي كبيرة عندما علمت أنها اضطرت للعمل مدرسةً لرياض أطفال بإحدى المدارس الخاصة ، حتى تتحصل على دخل شهري ثابت ! كما علمت منها أن زميلها الثاني يعمل في قسم قطع الغيار بأحد توكيلات السيارات ، بينما تعمل الرابعة في قسم التسويق بسلسلة محلات متخصصة في بيع الأجهزة المنزلية !.. للأسف هذا جزء من مآسي أوائل خريجي الإعلام ، ناهيك عن تعرض عدد ضخم منهم للنصب والاحتيال من جانب أصحاب بعض المواقع الخاصة الذين منّوهم بالتعيين وكانوا يدفعوا لهم مقابل العمل اليومي الشاق “أكثر من 10 ساعات ” مكافأة شهرية متدنية لا تليق بهم ولا تكفي ثمن تذكرة انتقال ذهابا وإيابا يومياً بالأوتوبيس ، في الوقت الذي كان يتحصل فيه ساعي المكان على 3 آلاف جنيه ، وليتهم انتظموا في صرف تلك المكافأة الهزيلة !
للأسف .. يرى بعض الخبراء أن من أسباب بطالة هؤلاء الخريجين عدم تطوير أنفسهم حتى يواكبوا العصر .. والحقيقة أنهم غير محقين في ذلك وربما غير ملمين بالتطور الهائل الذي طرأ على مناهج كليات الإعلام الحكومية والخاصة ، بل إن كلية الإعلام جامعة القاهرة نفسها قد استحدثت قسماً جديداً يحمل اسم الصحافة الإلكترونية لكي تساير العصر ، وفي هذا القسم تُدرس صحافة الفيديو وطرق تصميم وإدارة المواقع الإلكترونية وكذلك السوشيال ميديا ، كما تطورت الدراسة بقسم العلاقات العامة وأدخلت على مناهجها التسويق الإلكتروني ، ومن يتابع مشاريع تخرج الطلاب في جميع الأقسام سوف يلمس بنفسه ذلك التطور المذهل.. المشكلة ليست في التطوير ، لكنها في انعدام فرص العمل وضياع سنوات ــ غير معلوم عددها ــ من أعمار هؤلاء الشباب المتفوقين سُدى!
لاشك أن تلك الظروف الصعبة جعلت الواقع الحالي لخريجي الإعلام صادم ومؤلم ومظلم ، ويدعو إلى إعادة النظر في أعداد الدارسين سنوياً ، إذ لا يُعقل أن تطلب كلية الإعلام جامعة القاهرة 300 طالباً فيُحمِّلها مكتب التنسيق 1000 طالب كما قال لي الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة بالكلية والمتحدث الرسمي لرئيس الجامعة !
من غير المقبول التوسع في إنشاء كليات إعلام جديدة أو تحويل أقسام الإعلام بكليات الآداب إلى كليات مستقلة ومن ثم الدفع بأعداد جديدة كبيرة من العاطلين سنوياً.. ثم إلقائهم في آتون البطالة بعد التخرج !
إن من أهم الخطط التطويرية التي كثيرا ما طالب بها الخبراء .. ضرورة الربط بين أعداد المقبولين بالكليات وبين احتياجات سوق العمل .. حتى لا نواجه مثل هذه المشكلة التي تؤجج أزمة البطالة وما أدراك ما البطالة .. إنها قنبلة موقوتة !

إظهار المزيد

عبدالله العزازي

مدير التحرير .. باحث بالدراسات العليا قسم التربية الخاصة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

تم إكتشاف مانع الإعلانات في متصفحك

برجاء تعطيل مانع الإعلانات لتصفح الموقع بشكل أفضل وكذلك دعم الموقع في الإستمرار، بعد التعطيل قم بعمل إعادة تحميل (Refresh) للصفحة