د. هويدا الدر تكتب: التربية الإعلامية الرقمية.. استراتيجيات منهجية لمواجهة الاندماج الافتراضي

أصبحت التربية الإعلامية الرقمية Media Education من المجالات التي تفرض نفسها بقوة كأداة هامة لمواجهة التأثير السلبي لمحتوى شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة في نطاق الأسرة، والتي تعد أحد أهم خطوط الدفاع الاجتماعية الأولى لكونها الخلية الأولى للمجتمع، فهي من أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية للفرد، ومن ناحية أخري تلعب دورا هاما في نقل معايير المجتمع وقيمه إلى أفراده، بالإضافة إلى أنها المؤثر الجوهري في تشكيل شخصية وسلوك الفرد.وقد أسهمت التفاعلات التي تتم في المحيط الافتراضي عبر شبكة الإنترنت في التأثير علي العديد من مناحي الحياة، كما ساهمت في تشكيل إطار ثقافي جديد يجمع بين المتفاعلين عبر الفضاء الافتراضي.يعرف هذا الإطار الثقافي باسم الثقافة السيبرانية أو الافتراضية cyber culture وقد لعبت هذه الثقافة دورها في التأثير علي الثقافة المجتمعية بشكل عام، وأصبح المجتمع الافتراضي يشكل أيضا جزء من حياة بعض المتفاعلين في إطاره حيث فتح الانترنت باب لتشكيل علاقات أسرية في واقعه الافتراضي تعرف باسم الأسرة الافتراضية virtual family وهذه الأسرة تسمح للفرد باختيار أسرته والتي تعرف باسمه دون التقيد بسن معين. تعيش هذه الأسرة الجديدة في بوتقة الوطن الافتراضي، وتؤثر بدورها في واقع القيم الأسرية الواقعية فقد تؤدي إلى ارتباط أكثر او تمزيق العلاقات بين البشر وقد تتكامل أو تتصارع مع القيم الأسرية.من هنا فلابد للأسرة ان تتبع نهجاً لمواجهة تحديات الاندماج في العالم الافتراضي، فلا نكتفى بالتربية التقليدية والتي تتضمن تهذيب السلوك ونقل القيم والعادات والرعاية الاجتماعية والصحية بل يجب أن يكون هناك نوع آخر من التربية موازياً للتربية التقليدية ألا وهو التربية الإعلامية من خلال تفعيل مجموعة من الاستراتيجيات التي من أهمها تنميه مهارات التفكير الناقد وتشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الاعلام لدى الأبناء وتنمية مهارات التصفح لدى الطفل Navigational Skills.كما تأتي أهمية فهم الطفل لخصائص الرسالة الإعلامية وخاصة تلك التي يتلقاها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فغالباً ما تكون صناعة المال هي المحرك الأساسي للصناعة الإعلامية وليست الدوافع الاخلاقية أو الدينية أو الثقافية.وبذلك تتكون لدي الطفل القدرة الانتقائية في اختيار ما يناسبه وفقاً لخلفياته الدينية والعلمية والأخلاقية.وتعد استراتيجية المشاهدة النشطة Active viewing من أهم الاستراتيجيات الفعالة في مجال التربية الإعلامية الرقمية من خلال دعم أساليب عملية مثل الحديث مع الطفل ومصاحبته قبل التعرض للشبكات الاجتماعية وأثناء التعرض لها، وبعد التعرض مباشرة وأيضا بعد فترات من التعرض على أن يكون نوع الحوار هادفا ينقد السلبيات ويدعم الإيجابيات مع طرح نماذج من الحياة الواقعية المحيطة بالطفل.وأخيرا يعد مدخل الحماية Protection approach من أقدم المداخل في مجال التربية الاعلامية والمبنى على فرضية ان المواد الاعلامية المعروضة ستجعل الافراد يرغبون في تقليد ما يعرض، وتفعيل هذا المدخل بتنظيم معين يعمل على حماية الأفراد والمجتمع من هذه الشرور.والواقع أن قضية مراقبة الابناء والمراهقين في الفضاء الإلكتروني ليست بالأمر الهين كما يظن البعض بل هي عملية تعترضها العديد من المعوقات وتحتاج من أولياء الأمور التثقف الكامل والوعى العميق وتحديث معلوماتهم الاحترافية ليكونوا على استعداد لأداء هذا الدور الهام نظرا لتطور التقنية وتغير آلياتها بشكل سريع وظهور مستحدثات يومية بأساليب اكثر سهولة للنفاذ لخصوصية الفرد.
* أستاذ الاعلام الرقمي المساعد -رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون