تنهض الأمم بالتعليم، وترقى به الدول وتتحضر الشعوب وتزدهر المجتمعات، ولكن ليتحقق ذلك لابد من مدخلات جيدة حتى تكون مخرجاته أيضًا جيدة، بدايةً من مؤسسة الأسرة ودورها كبير فى المنتج التعليمى، حيث الأم وما لها من دور عظيم فاعل فى صناعة الرجال، وقد أوضح نابليون بونابرت ذلك حينما قال “إذا أردتم رجالا عظامًا أفاضل، فعلموا المرأة ما هى عظمة النفس والفضيلة”.
فدور المرأة كبير فى إعداد جيل واعٍ فاهمٍ قادرٍ على تحقيق نهضة حقيقية تثرى المجتمع وترقيه، وظهر هذا بوضوح من قول الشاعر “الأم مدرسة إن أعددتها، أعددت شعبًا طيب الأعراق”، فالجانب القيمى والأخلاقى فى التعليم مرهون بالأسرة أكثر من رهنيته بمؤسسات التعليم بجانب المؤسسة الدينية، والتى لا ينكر دورها فى تأصيل القيم والأخلاق فى نفوس أبناء المجتمع.
وللنهوض بالتعليم يجب أن تكون موازنته واعتماداته المالية ومخصصاته السنوية كبيرة، لتسمح وتُمكّن القائمين عليه بالإنفاق اللازم، ولذا كان من الواجب على لجنة واضعى الدستور المصرى الجديد أن يحددوا قيمة معقولة، نسبة من إجمالى الموازنة العمومية للدولة لا تقل عن 15 % مثلاً، للإنفاق على التعليم وتدرج كمادة ضمن مواد التعليم بالدستور، ثم أنه كيف ننتظر نهوضًا بالتعليم والمؤسسات الكبيرة بالدولة تستقبل منتجه للعمل بها من دون أن تسهم فى صناعة المنتج ذاته، بمعنى أن المؤسسات الكبرى هذه وبخاصة الربحية منها، تخصص نسبة ولتكن 1 % مثلاً من جملة أرباحها السنوية كمساهمة منها فى الإنفاق على التعليم وهكذا.
كيف ننتظر نهوضًا بالتعليم ولا تزال الكثافة فى مدارسنا وبخاصة الحكومية منها عالية، لدرجة أنها تخطت حاجز الستين دارسًا فى حجرة الدراسة، ويزيد على ذلك بكثير وبخاصة فى المدن الكبرى، مقالاً لا حصرًا القاهرة الكبرى والإسكندرية وغير ذلك من مدن مصر المختلفة، كيف ننتظر نهوضًا بالتعليم ولا تزال مدارسنا تعانى نقصًا وعجزًا شديدًا فى أدوات التعليم ووسائله المعينة، كيف ننتظر نهوضًا بالتعليم والتدريب غائب عن المشهد تمامًا، وإن حدث فيكون تدريب غير فاعل وغير حقيقى، وبالتالى من أين يتعرف المعلم على ما هو جديد فى التعليم وطرائق تدريسه وغير ذلك من المتغيرات التى تطرأ على التعليم فى الحقيقة كل لحظة، فالتطور أصبح سريعًا مذهلا، وكيف للمعلم أن يواكب كل ما هو جديد ووضعه هكذا، وكما أوضحناه .
إن كنا نريد نهضة حقيقية فى التعليم يظهر أثرها فى تغيير وجه مصر الحالى، وعودة مجدها القديم لسابق عهده، فلابد من إعادة النظر فى كليات التربية على مختلفها من حيث عدد سنوات الدراسة بها ومناهجها وطرائق تدريسها ومعاملها وإمكاناتها وإلخ، ومن المهم بمكان إعادة النظر وبأهمية كبرى للعمود الفقرى للعملية التعليمية أقصد بالطبع المعلم ذروة السنام بحق، فلابد من الارتقاء به مهنيًا وماديًا واجتماعيًا وإعلاميًا وعدم تصويره بصورة هزلية فى الإنتاج الإعلامى من مسلسلات ومسرحيات وأفلام تفقده احترامه وهيبته وتقلل من مكانته وتسىء إليه نفسيًا، بل وتجعله محبطًا أحيانًا وكارهًا لمهنته فلا يطور نفسه ولا أداءه وهكذا .
*** لابد أن نعى جميعًا بأن التعليم…
قضية مجتمعية تهم المجتمع بأكمله، وهى فى الحقيقة قضية أمن قومى، فوالله لم ولن يحدث تقدم ولا نهضة لمصر، ولا لأية دولة من دول العالم، إلا بالتعليم الجيد وبمدخلاته الجيدة والحديثةوالمطوّرة، والتى تسهم إسهامًا حقيقيًا فى مخرجات تعليميةجيدة. والله سبحانه من وراء القصد.