كتب / ممدوح الشريف

مصر أم الدنيا على مر العصور، ولكنها فى الفترة الحالية تمر بمنحنى خطير يتمثل فى النقد الهدام وتصديق الإشاعات واعتبارها حقائق بدون التأكد منها ، وإصدار حكم على موضوعات هامة ومصيرية بالاعتماد على السماع ، فالثقافة السمعية هى الغالبة فى المجتمع المصرى، وهجر الكتاب والقراءة والعلم الصحيح الموثق وتغليب العاطفة فى الكثير من أمور حياته وغض الطرف عن الحوار البناء للوصول إلى الحقيقة والبحث عما ينتصر لرأيه هو ويؤكد فكرته دون غيره وتحول الأمر من اختلاف إلى خلاف بل وعداء فى كثير من الأحيان.

وتداعيات ذلك خطيرة على نسيج المجتمع المصرى لأنه أوجد فجوة كبيرة فى الحوار بين أفراد البيت الواحد ، ناهيك عن باقى أفراد المجتمع ولقد زاد هذا الأمر بعد ثورة يناير 2011م ، كل فرد يتبمى رأى أو فكرة يرفض المساس بها ولا يقبل خطأها ويصارع ويخاصم ويعادى حتى لا يتأكد من صحتها أو خطأها ، ولقد قال الإمام الشافعى : ( رأيى خطأ يحتمل الصواب ورأى غيرى صواب يحتمل الخطأ ).

وفى رأى الشخصى أن هذه الأزمة فى المجتمع هى نتاج النظام التعليمى الفاشل الذى يدعم الحفظ ويبتعد عن تعلم أساليب التفكير الصحيحة، فيتعلم الإنسان منذ حداثة سنه أن يحفظ ويكتب فى النهاية ما حفظه فى ورقة امتحانية، فليس هناك نقد للمعلومات الواردة بالكتاب أو حتى بكلام وشرح المعلم لزيادة الفهم والإدراك والوصول بنفسه إلى الصدق فى يقرأه ويتعلمه ولا يُطلب من المتعلم توسيع مداركه بزيادة معلوماته أو التحقق منها بطرق مختلفة.

الاعتماد على الحفظ والتلقين هو أساس العملية التعليمية فى جميع المراحل الدراسية فى التعليم ما قبل الجامعى وحتى التعليم الجامعى، كتاب الدكتور هو المصدر الرئيس للمعلومة ورأيه هو الصواب ومن يفكر أن يخالف رأى الدكتور الجامعى مصيره الرسوب.

وكما قلنا هذا الخلاف القائم فى شتى الموضوعات الفكرية والسياسية وغيرها بين أفراد المجتمع أساسها عدم معرفة وتعلم أساليب وطرق ومهارات التفكير المختلفة ومن هذه المهارات ( التفكير الناقد – حل المشكلات – اتخاذ القرار – التفكير الإبداعي ).

وهذه المهارات هى مهارات التفكير العليا، والتى تساعدنا على التمييز الصحيح وإصدار حكم سليم على الآراء والمعلومات ، ويلزم تدريب أبنائنا وحثهم على تعلمها ليتجنبوا الكثير من محاولات الزج بهم إلى التعصب للرأى ورفض الحوار وتبعاته التى تصل إلى الإرهاب الفكرى والتأثير العاطفى والبعد عن الحياد فى تناول قضايا الخلاف والاختلاف.

وسوف نعرض في هذا المقال ( مهارة التفكير الناقد ):والتى يجب أن توضع فى المناهج التعليمية
– تعريفات التفكير الناقد

ورد الفعل “نقد” في “لسان العرب” بمعنى ميَّز الدراهم وأخرج الزيف منها (ابن منظور) – كما ورد تعبير “نقد الشعر ونقد النثر” في “المعجم الوسيط”؛ بمعنى: أظهر ما فيهما من عيب أو حسن.

– التفكير الناقد: فهو مفهوم مركَّب، له ارتباطات بعددٍ غير محدود من السلوكيات في عددٍ غير محدود من المواقف والأوضاع، وهو متداخلٌ مع مفاهيم أخرى؛ كالمنطق، وحل المشكلة، والتعلم، ونظرية المعرفة، ويعبِّر “جون ديوي” عن جوهر التفكير الناقد في كتابه “كيف تفكر” بالقول: “إنه التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر”

– التفكير الناقد:المقدرة على التحقق من الافتراضات، الأفكار، هل هي حقيقية، أو تحمل جزء من الحقيقة، أو أنها غير حقيقية)

– وقد يتم تعريفة بأنه ” تفكير تأملي معقول يركز على ما يعتقد به الفرد أو يقوم بأدائه “، وهو فحص وتقويم الحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء.

يأتي التفكير الناقد في قمة هرم بلوم، وهو أرقى أنواع التفكير، ويكون من وجهة نظر بلوم القدرة على عملية إصدار حكم وفق معايير محددة.

ويمكن تحديد الخطوات التي يمكن أن يسير بها المتعلم لكي تحقق لديه مهارات التفكير الناقد على النحو التالي:
1 – جمع سلسة من الدراسات والأبحاث والمعلومات والوقائع المتصلة بموضوع الدراسة.
2 – استعراض الآراء المختلفة المتصلة بالموضوع.
3 – مناقشة الآراء المختلفة لتحديد الصحيح منها وغير الصحيح.
4 – تمييز نواحي القوة ونواحي الضعف في الآراء المتعارضة.
5 – تقييم الآراء بطريقة موضوعية بعيدة عن التحيز والذاتية.
6 – البرهنة وتقديم الحجة على صحة الرأي الذي تتم الموافقة عليه.
7 – الرجوع إلى مزيد من المعلومات إذا ما استدعى البرهان والحجة ذلك.

ويتطلب هذا النوع من التفكير القدرات التالية:
1- الدقة في ملاحظة الوقائع والأحداث.
2- تقييم موضوعي للموضوعات والقضايا.
3- توفر الموضوعية لدى الفرد والبعد عن العوامل الشخصية.
وحتى يمكن تنمية هذا النوع من التفكير، فإن ذلك يتطلب مراعاة عدد من العوامل المتصلة، وهي:
1 – النقد العلمي، وعدم الانقياد للآراء الشائعة التي يتناقلها الناس.
2 – البعد عن النظر إلى الأمور من وجهة النظر الخاصة والتعصب لها.
3 – البعد عن أخذ وجهات النظر المتطرفة.
4 – عدم القفز إلى النتائج.
5 – التمسك بالمعاني الموضوعية، وعدم الانقياد للمعان عاطفية

مكونات التفكير الناقد –
يرتبط التفكير الناقد بالعديد من الأفعال، ومن أبرزها: التمهل، والتعقل، والتفتح العقلي، وطرح التساؤلات، والاستيضاح، والتحقق، والرجوع إلى المصادر، وتقويم المصادر، وجمع الأدلة والشواهد على صحة أمر ما، وتقويم الأدلة، وبناء المعايير للحكم، والتعليل، والاستنتاج، ومعرفة الافتراضات، والاستنباط، وتحليل الأفكار، والبحث عن الأسباب، والأمانة العلمية، وإتباع الدليل، والأخذ بالاعتبار جميع الاحتمالات، والاستناد على التعقل أكثر من الانفعال، والأخذ بالاعتبار أيضاً وجهات نظر الآخرين وتفسيراتهم، والاهتمام بإيجاد الحقيقة، والتقويم، وإصدار الأحكام.

كما رأينا فى العرض السابق لبعض مهارات التفكير التى يجب أن يتعلمها ويطبقها المصريون فى حياتهم والتى تجنبهم الكثير والكثير من الأخطاء والتعصب .

فعلى وزارة التعليم ووزارة التعليم العالى، تغيير المناهج الدراسية بما يناسب إكساب أبنائنا هذه المهارات لتغيير السلوك وإصدار الأحكام فى كافة الأصعدة والموضوعات والمناقشات والحوارات التى تسبب الخلاف والاختلاف بين أفراد المجتمع.

أولادنا تاهوا وتشتتوا مما يسمعون ويشاهدون من سجالات وخلافات وتراشق بالألفاظ بين المثقفين والساسة والعامة ، يحكمها ويغذيها التعصب الأعمى بدون تحقق أو استخدام المنطق أو اتخاذ الأسلوب العلمى وسيلة للوصول للحقائق أو تقديم البرهان الصحيح.

فلنبدأ فى تغيير الثقافة السائدة فى المجتمع والتى تدعم الرأى الأحادى والتخلص من الثقافة السماعية لنصل إلى الحقيقة المجردة.

ولنعلم أولادنا كيفية إصدار حكم صحيح وإتباع المنهج العلمى فى التفكير وحل المشكلات التى تصادفهم فى زمن الفتن والانفجار المعرفى الرهيب وتنقيح ما يسمعون أو يؤمنون به من أفكار البشر.