اللهم انصر إخواننا في فلسطين ❤️🇵🇸🇵🇸

مقالات تربوية

حوار حول التعليم والإبداع

علا العلمى
علا العلمى

تقديم : علا العلمى

خبيرة تنمية بشرية وتطوير الذات

                              ولأن الأفكار الإبداعية لا تطير بجناحيها إلى الناس بل المبدعون هم من يسعون لتحقيقها على أرض الواقع..ومن هنا نـــبـــــدأ سلسلة مقالات عن الأفكار الإبداعية على لسان أصحابها . كما يمكنكم أيضاً أن ترسلوا لنا أفكاركم لنقوم بمشاركتها وعرضها على القراء .

                   ومع أول فكرة إبداعية مع الدكتورة ماجده مدكور أستاذة متخصصة فى علوم التربية وتصميم المناهج وطرق التدريس بجامعة فينكس الأريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية وشهادة التأهيل المهنى و النفسى للمعلم من جامعة هارفارد .

تقول الدكتورة ماجدة مدكور أنها كانت فى أحد ورش العمل التى حضرتها أثناء مشاركتها فى مؤتمر مؤسسة مونتسورى العالمية للتعليم فى ولاية فلوريدا بأمريكا وكانت حول ” الفصول الدراسية العالمية” ، و التى انتهت بدرس رائع و ملهم لجميع الحاضرين و للعالم كله عن معنى ” الفصول العالمية” و ” المدارس العالمية” ، و التى نلهث وارءها بدون وعى أو فهم..

حيث قدمت الورشة مسز فيلدمان ، مديرة مدرسة “منى السبيل ” وهى نيجيرية.. وقد شاركتنا  تجربتها الثرية جدا، وكيف أنشأت هذة المدرسة و لماذا؟ و كيف؟

                بدأت قصة المدرسة مع بداية الحرب الأهلية بين نيجيريا و ليبريا.. ومع نزوح المهاجرين من ليبريا إلى نيجيريا ، تطوعت مسز فيلدمان تخدم فى معسكرات اللاجئين.. و فى أحد المعسكرات تعرفت على سيدة من ليبريا و توطدت الصداقة بينهما.. كانت السيدة حامل فى شهورها الأخيرة ، و أفصحت عن مخاوفها أن تترك طفلها فى هذا المعسكر و كانت تحلم له بحياة آمنة هادئة يركز فيها على العلم و التقدم فى الحياة.. قدمت مسز فيلدمان كل ما تستطيع من دعم لهذة السيدة الليبرية ووعدتها أن تهتم بها و بطفلها.. فى ذلك الوقت ، كانت مسز فيلدمان قد تعرفت على سيدة من آسيا ، عبر الإنترنت” إسمها “منى” ، وهى سيدة تقوم بأفعال الخير لنشر السلام فى قلوب الناس و بين الناس، ومعروفة فى المجتعات الأسيوية ب” السيدة منى ، الأم تريزا لآسيا”.. تأثرت مسز فريدمان بتجربة هذة السيدة و تمنت أن تسير على نفس النهج و تقدم خدمات إنسانية من أجل السلام.. لذلك شعرت مسز فيلدمان أن لقاء هذة السيدة من ليبريا، و التى أصبحت صديقتها، لم يكن مصادفة..

              وبعد عدة أسابع قليلة، نُقلت السيدة الحامل للمستشفى لوضع طفلها، و لكن مع الأسف ماتت السيدة بسبب ضعف جسدها بعد أن وضعت”طفلة” هزيلة بسبب حالة الوضع المبكر.. حزنت مسز فيلدمان على صديقتها حزنا شديدا، و تذكرت على الفور وعدها أن ترعاها و ترعى الجنين.. قررت مسز فيلدمان أن تتبنى الطفلة، و أطلقت عليها اسم” لورا”..

            وعندما بلغت” لورا” سن الإلتحاق بالمدرسة، شعرت مسز فيلدمان بأنها فى مأزق شديد؟ فهذة طفلة ليبيرية و مدارس نيجيريا مليئة بالكراهية لليبريا بصفة خاصة ، و مليئة بالعنف بصفة عامة.. فماذا تفعل؟ وهى تريد أن تحقق حلم هذة الأم التى رحلت و تركت طفلتها أمانة فى يدها؟

              أثناء زيارة مسز فيلدمان لإبنها تعرفت على صديقة أمريكية، و شعرت هذة السيدة بعطف شديد تجاه “لورا” الطفلة التى كانت معها ، و قصت مسز فيلدمان قصة ” لور” ، الطفلة الليبرية، التى بدأت المساعى لحمايتها و توفير تعليم آمن لها.. قررت السيدة الأمريكية أن تتعلم طرق التدريس و تحصل على شهادة فى تعليم و تربية الأطفال ، و قررت أيضا مسز فيلدمان أن تسير على نفس النهج.. فلكى توفر للطفة التعليم السليم ، يجب أن تكون مؤهلة أولا.. كانت السيدة الأمريكية تبلغ من العمر الخامسة و الخمسين ولكنها سجلت فى معهد للحصول على شهادة تدريس بإسلوب “مونتسورى” لأنها قرأت عن هذا الإسلوب كثيرا، ووجدت أنه أكثر ما يلائم “لورا”..

           و سافرت مسز فيلدمان إلى انجلترا لتحصل على نفس الشهادة ” التدريس بإسلوب مونتسورى”، و بعدها سافرت لكندا لزيارة بعض المدارس التى تطبق هذا الإسلوب و للحصول على مزيد من التدريب.. عادت مسز فيلدمان و قررت أن تبدأ مدرسة ” مونتسورى ” بنيجيريا..

              و لأن امكانيتها المادية كانت محدودة ، و اقبال الأباء على هذا النوع من المدارس فى نيجيريا كان ضعيفا، فقد بدأت هذة المدرسة الإبداعية بأربعة أطفال، منهم “لورا” ، فوق شجرة !

            و بدأت مسز فيلدمان بإعداد الأنشطة و المنهج بمساعدة صديقتها الأمريكية ، و كانت أدوات المنهج من البيئة المحيطة للطفل حيث أن تعليم مونتسورى يرتكز على اكتشاف الطفل لنفسه وأن دور المعلم هو الراعى فقط والمدعم بالحب، و التعليم لا يقوم على العقاب، بل على احترام الحياة الداخلية للطفل و أسلوبه الشخصى فى التعلم و النمو، و تصحيح نفسه بنفسه بالتأمل و الإبداع..

          ولتوضيح الأمر فإن المنهج فى مدرسة ” منى السبيل” يقوم على ثلاثة محاور ( هى محاور أسلوب مونتسورى):
أولا: تدريبات و أنشطة الحياة الحسية للطفل لإيقاظ حواسه و قدرته على التخيل و التأمل و التعبير ؛
ثانيا: تدريبات و أنشطة الحياة العملية و تعتمد على التعلم باليدين لتنشيط إبداع الطفل، و تشمل أنشطة الزراعة و الرسم و الفن التشكيلى و الموسيقى؛
و ثالثا: تدريبات و أنشطة التعلم مهارات الحساب و التفكير العلمى ، و الكون ، و الجغرافيا و الثقافة ..و جوهر العملية التعليمية هى التركيز على الطفل المتكامل ، بما فى ذلك النمو الأخلاقى و الروحى للطفل.. الرحلة التعليمية هى اكتشاف الطفل لنفسه..

             ومع نجاح الأطفال الأربعة و شعور أهاليهم بتقدمهم العلمى والإبداعى و النفسى و الإجتماعى بدأ عدد الأطفال فى زيادة لم تسمح الشجرة باستيعابه ، فقررت الأهالى جمع التبرعات لبناء مدرسة مسز فيلدمان ، مدرسة “منى السبيل ” بمبانى و حدائق بسيطة و جميلة .. وفتحت المدرسة الجديدة مجالات عمل للمدرسين، و بدأت مسز فيلدمان تدربهم على تطبيق أسلوب مونتسورى..

           عندما انتقل الفصل الدراسى من فوق الشجرة لمبنى المدرسة الجديد، لم يكن هناك أدوات و لا فصول مجهزة بكراسى و لا أى شىء..أرض و سجادة.. ومع ذلك لم تعجز المعلمة.. جلست على الأرض تراقب الطفل و هو يتعلم، وتعد له المزيد من الأنشطة التعليمية لتحفزه على التركيز و اكتشاف طاقاته و امكاناته و مواهبه..

             كانت التجربة شاقة و كان التحدى صعبا؛ فقد ترك عدد كبير من المدرسين المدرسة التى ترفض عقاب الطفل بالضرب أو بأى طريقة أخرى .. كثفت مسز فيلدمان جهودها لتدريب عدد آخر من المدرسين..واصلت جهودها بالعمل الشاق، و بطاقة الحب التى تفجرت فيها منذ أن التقت بالسيدة الليبرية بمعسكر اللاجئين..خمسة عشر عاما من الكفاح لتطوير المدرسة ، و تدريب المدرسين..كمديرة مدرسة لم يكن عملها إدارى فى غرفة مكتب، بل تعاونى تُدرب و تُرشد كل مدرس فى المدرسة لأفضل تطبيق لإسلوب مونتسورى فى التدريس..

             ومن بين المشاكل التى قصتها علينا مسز فيلدمان ، مشكلة الطفل الذى ألقى الشبشب فى وجه مدرسته ، و أطاح بكل الأدوات الموجودة على درجها بالأرض فى حالة غضب أثار فضولها .. فكيف واجهت المدرسة مثل هذا الموقف؟ كيف تتعامل مع هذا الطفل و قوانين المدرسة تنص على عدم معاقبة الطفل؟ تذكرت فورا أن العلاج بالحب هو أسلوب المدرسة.. و شعرت فعلا بتعاطف مع الطفل و رغبة فى فهم مشكلته و مساعدته.. تحكمت المعلمة فى مشاعرها السلبية تجاه سلوك هذا الطفل البعيد عن الأدب.. استطاعت أن تضبط رد فعلها.. فصمتت، و لم تنفعل .. استغرب الطفل أن رد فعل المعلمة كان مختفيا تماما.. فهى لم تضربه، و لم تصرخ فى وجهه، ولم تعاقبه بأى صورة .. بعد قليل ، قالت له” هل تشعر بالراحة الأن بعد أن قذفت الشبشب فى وجهى، و أطحت بأدواتى فى الأرض؟” سكت الطفل تماما و خفض رأسه فى خجل، ثم جرى إليها و حضنها وقال لها:”كنت أتمنى أن تكونى أمى.. أنا أحبك” حضنته المعلمه و قالت له:” الآن هيا لتجمع الأدوات من على الأرض وتضعها على المنضدة”..

                بالحب بدأت رحلة علاج هذا الطفل، الذى اكتشفت بمراجعة ملفه مع مديرة المدرسة مسز فيلدمان ، أنه يعانى من مبادىء توحد و أن أمه تضربه يوميا بالشبشب .. حصلت المعلمة على شهادة تقدير من إدارة المدرسة.. المعلم هو القدوة التى ترعى الطفل بالحب و الصبر و إنكار الذات ..وشجع هذا مسز فيلدمان أن تستمر و تطور من مدرسة “منى السبيل ” لتعليم مونتسورى، و التى ضمت طفلة واحدة لا تحمل الجنسية النيجيرية.. “لورا” الطفلة التى ولدت بأرض نيجيريا بسبب الحرب الأهلية ..

               وهنا ازدهرت المدرسة التى تعلم بالحب و تنشر السلام فى قلوب الأطفال و أهاليهم و المجتمع .. و تقول مسز فيلدمان:” كلما اختفت سلطة المعلم فى الفصل ، كلما زاد وجود الطفل بنجاح ..الطفل يتعلم بالحب”

           وتوضح الدكتورة ماجدة مدكور أن ” لورا” الآن تخرجت من جامعة أمريكية وذلك كما سبق وقالت بعد أن تبنتها السيدة الأمريكية ، صديقة مسز فيلدمان، لتتمكن من ارسالها لاستكمال تعليمها الجامعى بأمريكا و” لورا” لها الآن ثلاثة أمهات : أمها البيلوجية من ليبيريا ، والتى ماتت أثناء عملية الولادة ، و أمها النيجيرية التى ربتها، و أمها الأمريكية التى تبنتها لتعطيها فرصة استكمال تعليمها الجامعى بأمريكا..

يطلقون على “لورا” فى نيجيريا لقب” البهجة التى حلت على البلاد”.. البركة التى حلت لتجلب السعادة لأطفال نيجيرا و رفع مستوى أسرهم الروحى و المادى أيضا..

                  حقيقى ، فرد واحد يمكنه أن ُيحدث التغيير .. فمسز فيلدمان وهى إنسانة بشوشة جدا، مرحة، و قلبها ملىء بطاقة حب رائعة.. فعلا، الحب يصنع المعجزات ، مقولة نرددها و قد رأيت بعينى كيف تكون المقولة هى العمل و الفعل و إلإبداع ، و التغيير من أجل حياة أفضل..

مفهوم د. ماريا مونتسورى للتعليم هو أن التعليم منهجهه الحب و النمو الروحى للطفل.. بإلهام من هذا المعنى نجحت مسز فيلدمان فى إنشاء مدرسة الحب من أجل السلام.

                وهنا تتساءل الدكتورة ماجدة مدكور إذا لم يكن هذا هو الهدف من الفصول العالمية؟ التعليم التعاونى بين شعوب العالم .. التعليم من أجل الحب والسلام .. فما هو إذن قيمة التعليم؟ !

             وتقول الدكتورة ماجدة مدكور أنها أرادت بمشاركتها لهذة التجربة أن تكون ملهمة للمصريين فى أن يتحرك ” الفرد” و يقوم بعمل و لو صغير من أجل التغيير .. عمل إيجابى .. عمل نابع من القلب بصدق .. النهضة الحقيقية هى نهضة الروح.. العزيمة.. الأمل..الإيمان بطاقة الحب..النتائج حتما ستكون مبهرة.. من نيجيريا نتعلم..الظروف المادية ليست العائق، فمن فوق شجرة بدأت مدرسة تضرب للعالم كله مثلا إنسانيا رائعا..
والى هنا نكون قد انتهينا مع الدكتورة ماجدة مدكور فى عرض تجربتها الإبداعية من كينيا لنبدأ التفكير فى كيفية تحدى الظروف وتحدى العوائق لإحداث نهضة حقيقية وثورة إيجابية نتمكن من خلالها بتجديد الحياة لأنفسنا وللأجيال القادمة .

إظهار المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

تم إكتشاف مانع الإعلانات في متصفحك

برجاء تعطيل مانع الإعلانات لتصفح الموقع بشكل أفضل وكذلك دعم الموقع في الإستمرار، بعد التعطيل قم بعمل إعادة تحميل (Refresh) للصفحة